ساحر أوز العجيب: رحلة إلى الجنوب (24/18)

بكت دوروثي بحرقة لفقدان أملها في العودة إلى كنساس، ولكن عندما تأملت الأمر بعمق، شعرت بالارتياح لعدم صعودها في المنطاد. وأحست بالحزن لفقدان أوز، ولم يكن رفاقها أقل حزناً منها.

اقترب منها الرجل الصفيح وقال: “حقاً سأكون ناكراً للجميل إن لم أحزن على الرجل الذي منحني قلبي النابض بالمشاعر. أود أن أبكي قليلاً لأن أوز قد رحل، فهل لك أن تمسحي دموعي حتى لا أصدأ؟”

أجابته الفتاة: “بكل سرور.” وأحضرت منشفة على الفور. بكى الرجل الصفيح لعدة دقائق، بينما كانت دوروثي تراقب دموعه وتمسحها بعناية بالمنشفة. وعندما انتهى، شكرها بلطف ودهن نفسه جيداً بزيت من علبته المرصعة بالجواهر ليحمي نفسه من الصدأ.

أما خيال الفزّاعة، فقد أصبح الآن حاكم مدينة الزمرد، ورغم أنه لم يكن ساحرًا، افتخر الناس به. وبينوا سبب فخرهم على هذا النحو: “قالوا إنه لا توجد مدينة أخرى في العالم يحكمها رجل محشو بالقش.” وكانوا على حق بقدر ما كانوا يعلمون.

في صباح اليوم التالي لرحيل أوز بالمنطاد، اجتمع المسافرون الأربعة في غرفة العرش وتباحثوا في الأمور. جلس خيال الفزّاعة على العرش الكبير بينما وقف الآخرون أمامه باحترام.

وهكذا كان قول الحاكم الجديد: “لننظر للأمر بإيجابية فمن حسن حظّنا أنّ هذا القصر ومدينة الزمرد ملك لنا، ويمكننا أن نفعل ما نشاء. عندما أتذكر أنه قبل فترة قصيرة كنت معلقًا على عمود في حقل ذرة، وأنني الآن حاكم هذه المدينة الجميلة، أشعر بالرضا عن حالي.”

قال الرجل الصفيح: “وأنا أيضاً راضٍ عن قلبي الجديد؛ وبصراحة، كان ذلك الشيء الوحيد الذي تمنيته في العالم كله.”

أما الأسد فقال بتواضع: “وأنا، أشعر بالرضا لأنني أعلم أنّني شجاع مثل أي وحش عاش يوماً ما، إن لم أكن أشجع من ذلك.”

قال خيال الفزّاعة: “لو أن دوروثي تقبلت العيش في مدينة الزمرد لكنا سعداء جميعاً.”

لكن دوروثي صاحت قائلةً: “لكنني لا أريد العيش هنا، أريد العودة إلى كانساس، والعيش مع عمتي إم وعمي هنري.”

سأل الرجل الصفيح: “حسناً، إذن، ما الذي يمكن فعله؟”

فكر خيال الفزّاعة بجدية حتى بدأت الدبابيس والإبر تخرج من رأسه. وأخيراً، قال: “لماذا لا نستدعي القردة المجنحة ونطلب منها أن تحملكِ عبر الصحراء؟”

قالت الفتاة بفرح: “لم أفكر في ذلك! إنه الحل الأمثل. سأذهب فوراً لأحضر القبعة الذهبية.”

ولما أحضرتها إلى غرفة العرش، نطقت بالكلمات السحرية، وسرعان ما طارت فرقة القردة المجنحة من النافذة المفتوحة ووقفت بجانبها.

انحنى ملك القردة أمام الفتاة الصغيرة، ثم قال: “هذه هي المرة الثانية التي تستدعينا فيها. بمَ تأمرين؟”

قالت دوروثي: “أريد أن تطيروا بي إلى كنساس.” 

لكنّ ملك القردة هز رأسه وقال: “لا يمكن لهذا أن يحدث.” ثم تابع قائلًا: “نحن ننتمي إلى هذا البلد وحده، ولا نستطيع مغادرته. لم يظهر قرد مجنح في كانساس حتى الآن، وأعتقد أنه لن يظهر أبدًا، لأنهم لا ينتمون إلى هناك. إننا سعداء بخدمتك فيما نستطيع فعله، ولكن عبور الصحراء ليس بمقدورنا. إلى اللقاء.”

وانحنى تحيةً لها ثم فرد جناحيه وطار خارج النافذة، وتلته جميع أفراد جماعته.

كادت دوروثي أن تبكي إثر الخيبة التي جلبها هذا الحدث. وقالت معبرةً عن حالها: “لقد أضعت سحر القبعة الذهبية بدون جدوى لأن القرود المجنحة عاجزة عن مساعدتي.”

وقال الرجل الصفيح ذو القلب الحنون: “بالتأكيد، إنه لأمر سيء حقًا!”

فكر خيال الفزّاعة مرة أخرى، وإثر ذلك، بدأ رأسه يتورم بشكل مخيف حتى خافت دوروثي أن ينفجر.

حينئذٍ قال خيال الفزّاعة: “لنستدعي الجندي ذو اللحية الخضراء، ونطلب منه النصيحة.”

فاستدعي الجندي، ودخل غرفة العرش والخجل بادٍ عليه، إذ أنه لم يسمح له أبدًا تجاوز الباب حينما كان أوز على قيد الحياة.

سأل الفزّاعة الجندي: “تريد هذه الفتاة الصغيرة أن تعبر الصحراء. كيف يمكنها فعل ذلك؟”

فأجاب الجندي: “لا أعرف ما هي النصيحة التي يجب أن أسديها لك، فلم يستطع أحد عبور هذه الصحراء من قبل، إلا إذا أوز نفسه.”

سألت دوروثي بجدية: “أليس هناك أحد بمقدوره أن يساعدني؟” فأجابها الجندي: “ربما جليندا.” 

سأل خيال الفزّاعة: “من تكون جليندا هذه؟”

وكان الجواب: “إنها ساحرة الجنوب. إنها الأقوى بين جميع السحرة، وتحكم قوم الكوادلينغز. بالإضافة إلى ذلك، تقع قلعتها على حافة الصحراء، لذا قد تعرف طريقة لعبورها.”

سألت الطفلة: “جليندا ساحرة طيبة، أليس كذلك؟”

أجاب الجندي: “يعتقد قوم الكوادلينغز أنها طيبة، وهي لطيفة مع الجميع. سمعت أنها امرأة فاتنة الجمال ويرجع ذلك لتمكنها من معرفة الوسائل التي تمكنها من حفظ شبابها على الرغم من العمر المديد الذي عاشته.”

سألت دوروثي: “كيف يمكنني الوصول إلى قلعتها؟”

أجاب الجندي: “اسلكي الطريق الممتد إلى الجنوب وستصلين إلى هنالك، لكن يقال أنّه مليء بالمخاطر التي قد تفتك بمن يسلكه. فثمة حيوانات برية في الغابات، وجنس من الغرباء الذين لا يحبون أن يعبر الناس بلادهم. لهذا السبب، لا يأتي أحد من شعب الكوادلينغز أبدًا إلى مدينة الزمرد.” أكمل الجندي كلامهم ثم انصرف. 

قال خيال الفزّاعة: “على الرغم من المخاطر، يبدو أن أفضل ما يمكن عمله لدوروثي هو السفر إلى أرض الجنوب وطلب مساعدة جليندا. لأنه بالطبع، إذا بقيت دوروثي هنا، فلن تعود إلى كانساس أبدًا.”

علّق الرجل الصفيح قائلًا: “لا بد أنك كنت تفكر مجددًا.” فقال خيال الفزّاعة: “أجل.”

بعد صمت طويل أعلن الأسد رأيه فقال: “سأذهب مع دوروثي، لأنني متعب من مدينتكم وأشتاق للغابات والريف مرة أخرى. أنا وحش بري، كما تعلمون. بالإضافة إلى ذلك، ستحتاج دوروثي إلى من يحميها.”

قال الرجل الصفيح، وهو يفكر بعمق: “ذلك صحيح، قد تكون فأسي مفيدة لها، ولذا سأذهب أنا أيضًا معها إلى أرض الجنوب.”

سأل خيال الفزّاعة: “متى سننطلق؟” 

فسأله الحضور مصدومين: “هل ستأتي معنا؟” 

فقال: “بالتأكيد، لو لم تكن دوروثي هنا، لما أردت العقل والحكمة. لقد أنقذتني من عمود في حقل الذرة وأحضرتني إلى مدينة الزمرد. فكل حظي الطيب هذا راجع إليها، ولن أتركها أبدًا حتى ترجع إلى كانساس.”

قالت دوروثي بامتنان: “شكرًا لكم يا أصدقائي، أنتم جميعًا لطفاء جدًا معي. ولكنني أرغب في الانطلاق في أقرب وقت ممكن.”

أجاب خيال الفزّاعة بحكمته: “سنغادر صباح اليوم التالي، فلنستعد جميعًا الآن، ستكون هذه الرحلة طويلة.”


Downloads


Related tags