مكيدة الفئران لإسقاط القطة في الفخ

تدور هذه الحكاية بين جنبات المخزن الهادئ، حيث تسكن الفئران في طمأنينة غريبة أمام القطة المنزلية التي كان يُفترض أن تكون عدوتهم اللدود. فما السبب وراء هذا السكون؟ أهو ذكاء الفئران أم حيلة مدبَّرة؟ هيا نرى ما جرى بين الفأرين والقطة:

قال الفأر الرمادي لأخيه ذي الشوارب، وقد ارتسمت على وجهه ملامح الاستغراب: “لعمري، إنّ هذا لأمر عجاب! كيف تتركنا القطة نجول في أرجاء هذا المخزن دون أن تحاول الإمساك بنا ولو لمرة واحدة؟”

فردّ عليه ذو الشوارب وهو ينظر في أرجاء المكان: “أحسبها تظن أن الفخاخ الموزعة هنا وهناك ستقوم بما عجزت هي عنه. ألا ترى تلك الفخاخ المنتشرة؟ واحد منها على الرف، والآخر خلف البرميل، وواحد في الخزانة تحت الرف. لكننا، بفضل تجاربنا السابقة، لم نعد نكترث بمثل هذه الحيل؛ فقد علمتنا الأيام كيف نتجنب الوقوع فيها.”

فعقّب الفأر الرمادي، وهو يهز رأسه بتفكر: “أجل، ولعل هذا هو السبب الذي يجعلني أجد في تصرف القطة غرابة؛ فعدم قيامها بواجبها يجعل الأمر أكثر إثارة للريبة.” ثم أضاف بحذر: “سأتولى المراقبة عن كثب، وسأحاول أن أفهم ما الذي يمنعها من اللحاق بنا. ها هي قادمة الآن! أسرع، اختبئ خلف الطبق، وسأختفي أنا في سلة البيض. كن على حذر!”

دخلت القطة المخزن بخطوات هادئة، مستنشقة هواء المكان، ونظرت حولها وكأنها تبحث عن شيء. احتكت ببعض الأكياس الورقية الملقاة على الأرض، وعندما لاحظت حركة الفأر المتسلل خلف الصندوق، تجاهلته عن عمد، وكأنها لم تلتفت إلى وجوده.

ثم اقتربت القطة من الرف الذي كان عليه وعاء الكريمة، فقفزت برشاقة، ووقفت تستمع بإنصات، فلم تسمع همسا. حينئذٍ، أدخلت رأسها في الطبق وأخذت تأكل حتى فرغت منه. وما إن أنهت وجبتها حتى أسقطت الوعاء برفق، ليقع ما تبقى من الكريمة من على الرف.

وبعد ذلك، وقعت عيناها على قطعة لحم في طبقٍ قريب، فقضمتها ثم قفزت هابطة بخفة.

وما إن غادرت القطة المكان حتى اندفع ذو الشوارب من مخبئه مسرعًا نحو سلة البيض، حيث كان الفأر الرمادي يلوذ بالاختباء. ثم قال: “لقد التهمت الكريمة وابتلعت قطعة اللحم، وليس هذا صنيعا جديدا؛ فقد رأيناها تكرر فعلتها مرارا وتكرارا.”

فأجابه أخوه: “عُد إلى مكانك والتزم الصمت، فإننا بصبرنا سنكشف سرّ هذه القطة الماكرة.” وما إن أوشك الفأر الرمادي أن يستتر حتى فُتح الباب بقوة ودخلت الخادمة مسرعة.

صاحت الخادمة في دهشة: “يا للعجب! إن الفئران هنا تكبر لدرجة أنها تلقي بالأشياء وتأكل كل ما تصادفه! بل إنها لم تترك حتى قطعة اللحم المتبقية من الإفطار. عليّ أن أزيد عدد الفخاخ، فهذه القطة المسكينة لا تستطيع الإيقاع بهم جميعًا.”

وحين انصرفت الخادمة، قال ذو الشوارب متفكرًا: “ألم أقل لك؟ تلك القطة الخبيثة تدعنا نتجول هنا بحرية لتُحمِّلنا تبعات كل ما يُسرق أو يُؤكل في هذا المخزن، بينما تنعم هي بالكريمة وما لذ وطاب. وعلى هذا سيزيدون الفخاخ، ولا نعلم أيّ مصير بائس ينتظرنا. ليتني أجد سبيلًا لرد كيدها.”

فأجابه الفأر الرمادي قائلاً: “لا أرى أنّ حالنا الآن أسوأ مما لو كانت تطاردنا ليل نهار. فإما القطة، وإما الفخاخ الجديدة.”

فردّ ذو الشوارب وقد بدت عليه الحيرة: “نعم، هذا صحيح. نحن ندرك مواقع الفخاخ القديمة ونتجنبها، وكلُّ ما علينا فعله حين تواجد القطة هو ألا نركض حين تكون في المنزل. فإذا لم تأكل الكريمة وما لذَّ لها، لن يلاحظ أحد ما نأكله من فتات. إنها تلعب بنا، وتستأثر بكل ما تشتهيه على حسابنا.”


وفي يوم دافئ قريب العهد بما جرى، دخلت القطة إلى المخزن تتفقد ما حولها بعينين يقظتين. وقد وُضع قرب النافذة منذ بضع دقائق وعاء من الحليب الدافئ، وإلى جانبها طبق من الحساء.

فلمّا أبصرت القطة ذلك، قفزت بخفة حتى بلغت مرادها، ثم أقبلت على الحساء لا تترك منه شيئًا حتى أفرغت الطبق. وما إن انتهت منه حتى استبد بها النعاس، فمدت جسدها على أرض المخزن، وغرقت سريعًا في نوم عميق، دون أن تكترث بما حولها.

وبعد برهة من الزمن، عثر الفأر الرمادي وأخوه ذو الشوارب على القطة النائمة في خدر عميق، وبينما كانا يجريان بحذر. همس ذو الشوارب في أذن أخيه، قائلًا: “إنها للحظة حاسمة، ألا ترى ذلك الفخ المنصوب خلف ذيلها؟”

فأجاب الفأر الرمادي، وقد ارتسمت على ملامحه علامات الحذر: “أرى الفخ، ولكنه لا يسع مخلبا واحدا من مخالبها، فما باك برأسها؟” رد ذو الشوارب بذكاء: “لا حاجة لنا برأسها، أيها الجاهل، ما يعنينا هو ذيلها.”

تابع الفأر الرمادي أخاه بقلق، وقد تملكته الحيرة مما ينوي فعله بتلك القطة النائمة. وارتجف قلبه عندما رأى شقيقه يتسلق برفق على جسد القطة، ممددًا يده نحو نهاية ذيلها. امتلكه الرعب مما قد يحصل لو استيقظت الفأرة، فركض نحو برميلٍ قريب، يتفقد الوضع من بعيد.

أثار هذا الموقف قلق ذو الشوارب، وهمس بغضب: “إذا لم تستطع أن تلتزم الصمت، فالأفضل لك أن تعود أدراجك.” لم يُجب الفأر الرمادي أخاه، ولكنه تراجع إلى مسافة آمنة عن القطة، متابعًا حركات شقيقه بعيونٍ متأملة.

وفي لحظة حاسمة، أمسك ذو الشوارب بطرف ذيل القطة وأدخله في فخ المصيدة. تمّ كل شيء في غمضة عين، فانطبقت المصيدة بقوة. وحينها ركض ذو الشوارب بجسارة، بينما انطلقت القطة بفزعٍ وذعر، تموء وتنتفض في آن واحد، إذ كانت المصيدة مشدودة إلى ذيلها بإحكام مسببة ألما مبرحا.

تدحرج الفأران ضاحكين، يشاهدان القطة وهي تحاول أن تتخلص من تلك المصيدة التي عجزت عن الفكاك منها. خرجت القطة إلى المطبخ، وذيلها يجر المصيدة كأنها تلاحقها، وأخذت تضرب الأرض بخفةٍ مع كلّ حركة.

لم يُدرك الفأران كيف نجت القطة من شَرَك تلك المصيدة الماكرة، إلا أنهما لاحظا، في الأيام التي تلت تلك الحادثة، أنها باتت أكثر حذرًا وتأنّيًا. فقد صارت تتجنب تحريك ذيلها أثناء تنقلها، وكأنها تخشى من شبح المصيدة يترصدها. وذات يوم سمعا الخادمة تندب حال القطة، مُنادِيَةً إياها بلهجةٍ تعكس خيبة أملها: “لو كنتِ أيتها الكسولة قد أديتِ واجبك كما ينبغي، بدلاً من الانغماس في سرقة ما لذ وطاب من الكريمة، لما وجدتِ نفسكِ نائمة في المخزن، ولما وقعتِ في براثن المصيدة. فقد حاق بك ما اقترفت يداك.”


Downloads