- الفصل 1: الإعصار
- الفصل 2: دوروثي والأقزام
- الفصل 3: دوروثي تنقذ خيال الفزّاعة
- الفصل 4: رحلة عبر الغابة
- الفصل 5: إنقاذ الحطّاب الصفيح
- الفصل 6: الأسد الجبان
- الفصل 7: الرحلة إلى أوز العظيم
- الفصل 8: أرض الخشخاش المميتة
- الفصل 9: ملكة الفئران
- الفصل 10: حارس البوابة
- الفصل 11: مدينة أوز العجيبة
- الفصل 12: البحث عن الساحرة الشريرة
- الفصل 13: الإنقاذ
- الفصل 14: القردة المجنحة
- الفصل 15: افتضاح أمر أوز الرهيب
- الفصل 16: فن الخداع السحري العظيم
- الفصل 17: كيف أُطلق المنطاد
- الفصل 18: رحلة إلى الجنوب
- الفصل 19: هجوم الأشجار المقاتلة
- الفصل 20: بلد الخزف الجميل
- الفصل 21: الأسد ملكًا للسباع
- الفصل 22: بلاد الكوادلنغ
- الفصل 23: الساحرة الطيبة تحقق أمنية دوروثي
- الفصل 24: العودة للديار بعد الغياب الطويل
- Downloads
الفصل 1: الإعصار
في عمق السهول الواسعة التي تمتد عبر ربوع ولاية كانساس، قطنت الفتاة دوروثي مع عمّها هنري، المزارع الأمين، وقرينته العمة إيم. لقد كان مأواهم بيتا متواضع البنيان، ضيق الأرجاء، لشحّ الخشب الذي يُجلب من أقاصي الأرض عبر الرحال التي تخترق الفيافي والقفار. وكانت الغرفة الوحيدة التي تأويهم، محصورة بأربعة جدران تحتضنهم، ومسقوفة بما يقيهم زمهرير الشتاء ولهيب الصيف، مؤثثة بموقد ذو عهد طويل، وخزانة لأوانيهم، ومائدة يجتمعون حولها، وعدد من المقاعد، ثلاثة أو هي أربعة، إلى جانب فرش يستريحون عليه. قد كان للعم هنري والعمة إيم فراش رحب يعتلي زاوية من الحجرة، في حين أُعدّ لدوروثي مضجع أصغر في الزاوية المقابلة.
وما كان لهذه الدار من طوابق تعانق السحاب أو سراديب تغوص في أحشاء الأرض، ولكن حفيرة ضئيلة سُميت بملجأ الزوابع، وهي مأواهم الذي يفزعون إليه عندما تهب العواصف كبلوى تتوعد وتسحق البنيان وتمحو الآثار. أما الوصول إلى هذا الملجأ فيتم عبر باب مخفي في قلب الأرضية، يؤدي إلى سلّم ينحدر بالسالكين إلى ذلك الغور العميق، معتم الأرجاء، نائياً باللاجئين فيه عن فتك العواصف وغضب السماء.
وكلما تقف دوروثي على عتبة الباب، وتلقي ببصرها صوب الأرجاء، لا تشهد إلا فساحات كانساس خالية الألوان التي تمتد بلا حد إلى آفاق السماء في كل اتجاه. لم ترصد شاهدا قد يخترق هذه الفضاء الفسيح، لا بيتا ولا شجرا كان في تلك الرقعة الواسعة التي تلامس أطراف السماء من كل ناحية. قد كانت الشمس قد أوقدت في الأرض المعشوشبة نيرانها، زاحفةً عليها كقطعة رماد، مخلفة شقوقا دقيقة تعبرها. والكلأ نفسه لم يسلم من حرقة الشمس، فقد أجهزت على أطراف السيقان الناتئة منه حتى اختفت خضرتها، وأضحت رمادية شاحبة.
كانت الأصباغ التي كست جدران الدار فيما مضى تنبض بالحياة والزهو، ولكن قبضة السماء قد أذابت طلائها، وجرفت الأمطار ما تبقى من بريقها، حتى صار البيت يرتدي كغيره حلة الرتابة وخضب الرماد.
حين اتخذت العمة إيم هذه البقعة مستقرًا لها، كانت عروسًا يافعة تنبض بالجمال والنضارة. غير أن يد الدهر وعبث الرياح قد نالوا منها، فسرقا بريق عينيها وأغرقاهما في بحر من الرماد والخواء؛ نزعا الحمرة من خديها وشفتيها، فأضحيا كظلٍ لما كانا عليه. أمست شخصًا آخر، نحيلة القامة، خاوية الابتسامة، وبدى الفرح غريبًا عنها. وعندما أقبلت دوروثي اليتيمة لتعيش في كنفها، كانت ضحكات الطفلة ترعد في صميم العمة إيم؛ إذ كانت تتلوى وتضع كفها على قلبها كلما اخترق الفضاء صدح ضحك دوروثي الصافي، تنظر إليها بعجب ودهشة، متسائلة عن سر البهجة التي تفيض بها هذه الصغيرة.
لم يكن للعم هنري من الضحك نصيب، إذ كانت حياته منذ طلوع الشمس حتى غروبها معانقة للكد والجهد، غريبًا عن دروب البهجة والسرور. وكان لونه الرمادي يغشاه من قمة رأسه، حيث تتدلى لحيته الطويلة، إلى أخمص قدميه وحذاءه الخشن، رجلا كان ذا محيا صارم، قليل الكلام زهيد المزاح.
وإنما كان توتو، مبعث الضحك والسرور لدوروثي، وهو الذي أنقذها من أن تتلبس هي الأخرى برداء الرماد الذي يكسو كلّ محيطها. لم يكن توتو يشاركها لون العالم الرمادي؛ بل كان كلبًا صغيرًا أسود اللون، بفراء حريري يتماوج طولا، وعينان كحيلتان تبرقان بفرح ومرح على جانبي أنفه البارز بشكل طريف. كان يومه ملؤه اللعب والمرح مع دوروثي التي تغمره بحبها الفيّاض.
ولكن في إحدى الأيام منعهما طارئ اللعب. كان العم هنري متمكنًا من العتبة، يرقب السماء بعينين ملؤهما القلق، التي اكتست بلون الرماد الحالك. وقفت دوروثي عند الباب، تحتضن توتو بين ذراعيها، تجول بصرها نحو الأرجاء بينما كانت العمة إيم تشغل نفسها بغسل الصحون.
من بعيد، من جهة الشمال، خيم صوت نحيب الرياح المتسلل خفية، واستطاع العم هنري ودوروثي أن يشهدا كيف انقادت الأعشاب الطويلة لرقصة الأمواج أمام الزوبعة التي دنت متوعدة. حينها انبعث صفير مدوٍ في الأجواء، قادمًا من الجنوب، وبينما التفتا نحو مصدره، لمحا تموجات العشب تسابق الريح نحوهما كذلك.
نهض العم هنري من مقامه بغتة وصاح بزوجته: “إنّ الإعصار يقترب، يا إيم! سأغدو إلى البهائم أتفقدها.”
ومن ثم اندفع نحو الحظائر، حيث الأبقار والخيول.
ألقت العمة إيم ما بيدها وتوجهت نحو الباب، وكانت نظرة واحدة إلى الأفق كفيلة بأن تزعزعها بهول ما هو قادم.
“بسرعة، يا دوروثي!” صاحت بصوت محمل بالوجل، “إلى الملجأ اهرعي!”
انسل توتو من بين ذراعي دوروثي، ملتجئًا إلى ظلال أسفل السرير، وعكفت الصبية على ملاحقته في محاولة يائسة. معتصرة القلب رهبةً مما شهدت، أزاحت العمة الغطاء عن الملجأ المؤدي إلى الأعماق، وهوت عبر السلم إلى غياهب الحفرة الضيقة المسدلة بالعتمة. وأخيرًا، استطاعت دوروثي أن تطوق توتو بذراعيها، وهرعت على إثر عمتها. وما هي إلا بصدد عبور الغرفة، حتى عصفت ريح صرصر عاتية هزّت المنزل هزا عنيفا حتى اختل توازنها وانهارت على الأرضية.
ومن ثم، وقع ما لم يكن في الحسبان. أخذ المنزل يغوص في دوامة من الدوران، وبدأ يرتفع رويدا رويدا عن وجه الأرض. وكأنّ بدوروثي تجد نفسها تعلو في الأعالي، كمن هو معلق في منطاد يسبر غمار السماء.
تعانقت رياح الشمال والجنوب عند عتبة الدار، فألقتاه في مرتع الإعصار، حيث كان المسكن يحتل حرفيا قلب الزوبعة. ولكن عادة ما يغدو الجو في قلب الإعصار ساكنًا، إلا أنّ عنف الرياح المحيطة به من كل صوب كان يدفعه للارتقاء إلى أعالي السماء، صعودًا إلى ذروة الإعصار، حيث استوى ونقل ميلًا تلو الآخر بخفة يسيرة كحمل النسيم لورق الخريف.
كان الظلام يخيم بكثافته، والرياح تصيح بوقار مروع حولها، غير أنّ دوروثي وجدت نفسها تعلو فوق ذلك بسلاسة عجيبة. ولكن في لحظة ما مال المنزل ميلانا مفاجئا، وشعرت الصبية كأنها تهتز بلطف، كرضيع في المهد.
وكان هذا الحال يأرق توتو الذي امتلكه الفزع، فطاف في الغرفة ذهابا وإيابا، ينبح ويزمجر؛ بيد أن دوروثي سكنت إلى الأرض وجلست بهدوء تترقب ما ستؤول إليه الأمور.
في لحظة عابرة دنا الكلب من باب الفتحة المكشوفة على السماء، وزلق عبرها؛ ولبرهة ظنت دوروثي أنها خسرت رفيقها. لكنها عاجلًا ما لمحت أذنه تطل من الفتحة، إذ كان الضغط العارم للهواء يحول دون سقوطه ويطفو به مع المنزل. تقدمت الصبية صوب الفتحة، وأمسكت بتوتو من أذنه، جاذبة إياه صوبها، ثم أحكمت إغلاق باب الفتحة لتجنب وقوع المزيد من الحوادث.

جرت الساعات الطوال، وبتؤدة، انفلتت دوروثي من قبضة الخوف التي ضيق عليها؛ غير أن شعورا عميقا بالوحشة أحاط بها، والرياح تزمجر حولها بصخب يكاد يخطف منها السمع وهي معلقة بين السماء والأرض. في البدء، خامرها الفضول إن كان المنزل سيتهشم عندما يعانق الأرض ثانية؛ لكن مع مرور الأوقات دون أن يلمّ بالأفق ما يروع، سكن روعها وقررت أن ترقب الأقدار بصبر، منتظرة ما يخبئه لها. وعلى الرغم من تأرجح البيت وعويل الرياح، سرعان ما أغلقت دوروثي عينيها وغطّت في نوم عميق.

الفصل 2: دوروثي والأقزام
استفاقت دوروثي مفزوعة تتعالى دقات قلبها؛ وكأنها طبول الحرب تُقرع. وذلك إثر هزة قوية، لولا تغمدها دفئ سريرها الحنون. وفي تلك اللحظات الموحشة آنستها لمسات توتو بأنفه الصغير البارد. نهضت الصبية وها هو المنزل قد استقر، ولاحت الأنوار وانكشفت الحجب؛ وأشعة الشمس تتلألأ في الحجرة. قفزت الفتاة من سريرها وخلفها توتو يتبختر بأقدامه الرشيقة.
صرخت الفتاة الصغيرة عجبًا، وانطلقت عيناها في رحلة متسارعة حول المكان، تتسع شيئًا فشيئا وتنبض بالدهشة مع كل مشهد رائع يلتقطه ناظرها.
ولعل الأقدار تلطفت بتلك المسكينة؛ فما كان من هذا الإعصار إلا أن رمى البيت بوداعة كما ألقت الماء موسى في صندوقه على البر، في قلب بلاد تتمتع بجمالٍ ساحر. فها هو العشب في كل مكان بلونه الأخضر المؤنس للنفوس والشجر المبهج بثمارٍ يانعة تسر الناظرين. الأزهار تزين المنظر كأنها ألوان في يد فنان يزين لوحته، بينما تغنّي الطيور بألوان ريشها النادرة والمتألقة، تحلّق وترقص على غصون الأشجار. وبعيدًا قليلًا، يجري جدول صغير بين الحواف الخضراء، يتراقص ويتلألأ بنغمٍ من البهجة، مُمتلِئ بالحيوية والحماس، كما لو كان يرحب بالفتاة الصغيرة التي لطالما أعيتها تلك المناظر التي يسيطر عليها اللون الرمادي بكآبته.
وأثناء وقوفها تحدق بشغف في المناظر الغريبة والجميلة، لاحظت الفتاة مجموعة من الغرباء؛ بل ربما أغرب ما قد رأته من قبل، تتجه نحوها. كان هؤلاء الغرباء صغارًا في الحجم؛ لكن من هيئتهم بدوا أكبر بكثير من حجهم الذي يقترب من حجم دوروثي التي تعتبر ناضجة مقارنة بسنها الصغير.

كانوا ثلاثة رجال وامرأة، وكانوا جميعًا يرتدون ثيابًا غريبة؛ يرتدون قبعات دائرية مذببة في نهايتها ترتفع مسافة قدم فوق رؤوسهم، وأجراس صغيرة تُحيط بحواف قبعاتهم، تُصدر دقاتٍ حلوة مع كل حركة. زرقاء كانت قبعات الرجال، وكانت قبعة المرأة بيضاء، حيث كانت ترتدي ثوبًا أبيضًا يتدلى بكسرات من كتفيها، وفوقها تتلألأ نجوم صغيرة كالألماس تحت أشعة الشمس. وكان الرجال يرتدون زيًا أزرق اللون، متناغمًا مع قبعاتهم، وينتعلون أحذية مصقولة بعناية تتدلى من أعلاها شريطة زرقاء داكنة.
حدثت دوروثي نفسها قائلة: “لعل هؤلاء الرجال بعمر العم هنري”، فقد بدا وجههم مكسوًا باللحى، ولكن المرأة قصيرة القامة كانت بدون شك أكبر سنا بكثير، فوجهها مغطى بالتجاعيد، وشعرها يلوح بالبياض، وكانت تسير بخطوات متيبسة، كأنما تحمل كل تلك السنون والخبرات في كل خطوة.
عندما اقترب هؤلاء من المنزل حيث كانت الصبية واقفة على عتبة الباب، توقفوا وهم يهمسون بينهم كأنهم يخشون المضي قدمًا، كأوراق الخريف التي تتراقص على نسيم الخوف. لكن المرأة العجوز اقتربت من دوروثي، وانحنت بود وقالت بصوت عذب: “مرحبًا بك، أيتها الساحرة النبيلة، في أرض الأقزام. نحن ممتنون لكِ بشدة لفتكك بساحرة الشرق الشريرة، ولتحرير شعبنا من قيود العبودية”.
بدهشة، استمعت دوروثي لهذا التقديم. يا ترى ما المقصود بتسميتها بالساحرة؟ وكيف يمكن لفتاة بريئة مثلها أن تقتل ساحرة؟ إنها لم تؤذ أحداً في حياتها، حتى الآن لم تقتل حتى بعوضة.
لكن المرأة الصغيرة بدت وكأنها تنتظر رداً منها؛ لذا ردّت الفتاة بتردد: “شكرا على لطفك، ولكن لعل هذا سوء فهم منك. فأنا لم أقتل أي أحد”.
“منزلكِ فعل ذلك، على أية حال، والأمر سواء. انظري!” ردت المرأة الصغيرة العجوز بابتسامة وأشارت باتجاه زاوية المنزل، “ها هما قدماها، لا تزالان تظهران من تحت الأخشاب”.
نظرت دوروثي صوب الأرضية، وصرخت صرخة ملؤها الرعب. هناك، بالفعل، تحت زاوية العارضة الكبيرة الذي يستند عليه المنزل، كانت تخرج قدمان، منتعلة أحذية فضية ذات أصابع مدببة.
“أوه، يا الهي! أوه، يا الهي!” صاحت الطفلة، وهي تقبض يديها على صدرها من الفزع. “لا بد وأن المنزل قد سقط عليها. ماذا سنفعل؟”
“أجابتها المرأة: “لا يوجد شيء يمكن القيام به”. فسألت الطفلة “لكن من كانت هي؟”
أجابتها العجوز: “كما قلت، إنها ساحرة الشرق الشريرة”. “لقد استعبدت معشر الأقزام وأذاقتهم ويلات العبودية لسنوات عديدة، جعلتهم يعملون لصالحها ليلاً ونهارًا. الآن قد تحرروا جميعًا، وهم ممتنون لك على معروفك”.
سألت الطفلة “ومن هم الأقزام؟”
“هم الناس الذين يعيشون في هذه الأرض الشرقية حيث كانت تحكم ساحرة الشرق الشريرة”.
“هل أنتِ من معشر الأقزام؟”
“لا، لكنني صديقتهم، على الرغم من أنني أعيش في أراضي الشمال. ولكنهم عندما فطنوا بأنّ ساحرة الشرق قد ماتت، أرسلوا إليَّ رسولًا كالبرق الخاطف، وأتيت فورًا. في الحقيقة أنا ساحرة الشمال”.
صاحت الطفلة مندهشة “أوه، يا إلهي! أأنتِ ساحرة حقيقية؟”
“أجابتها العجوز “نعم، هو كذلك. لكنني ساحرة طيبة، والناس يحبونني. لستُ قوية مثل ساحرة الشر التي كانت تحكم هنا، ولو كانت لدي قوة كبيرة، لحررتُ هؤلاء المساكين بنفسي”.
“لطالما اعتقدت أنّ جميع السحرة كانوا شريرين”، قالت الفتاة، التي كانت خائفة بعض الشيء من مواجهة ساحرة حقيقية.
“أوه، لا، هذا خطأ كبير. لم يكن هناك سوى أربع ساحرات في جميع أراضي أوز، واثنتان منهن، اللتان تعيشان في الشمال والجنوب، هما في الحقيقة ساحرتان طيبتان. وبالطبع يمكنني معرفة ذلك، لأنني واحدة منهما، وهذا أمر مقطوع به. أمّا اللتان عاشتا في الشرق والغرب، فكانتا حقًا ساحرتين شريرتين؛ لكن الآن بعد أن قُتلت إحداهما، لم تبق إلا ساحرة واحدة شريرة فقط في جميع أراضي أوز؛ وهي التي تعيش في الغرب”.
“قالت دوروثي، بعد لحظة من التفكير: “أخبرتني العمة إيم أنّ الساحرات كلهن مُتنَ منذ زمن بعيد.”
سألتها العجوز: “ومن هي العمة إيم؟”
“هي عمتي التي تعيش في كانساس، من حيث أتيت”.
بدت ساحرة الشمال وكأنها تفكر لفترة، خافضة رأسها وعينيها إلى الأرض. ثم نظرت لأعلى وقالت: “لا أعرف أين تقع كانساس، إذ لم أسمع أبدًا بهذا البلد من قبل. ولكن أخبريني، هل هو بلد متحضر؟”
أجابتها الصبية: “آه، نعم، فعلا هو كذلك”.
“لقد اتضحت الصورة إذن. في البلدان المتحضرة، أعتقد أنه لم يتبقَ وجود للسحرة، ولا للمشعوذين، ولا حتى الأعمال السحرية. ولكن، كما ترين، لم يسبق لأرض أوز أن تحضرت، فنحن معزولون عن بقية العالم. لذا ما زال هناك ساحرات وسحرة بيننا”.
سألت دوروثي: “من هم السحرة؟”
أجابتها العجوز وكأنها تهمس: “عظيم السحرة إطلاقا هو أوز؛ الأقوى بيننا جميعا، ويعيش في أرض الزمرد”.
كانت دوروثي متهيئة لتسأل سؤالًا آخر، لكن في تلك اللحظة صاح الأقزام بصوت عال وأشاروا إلى زاوية المنزل حيث كانت تقع ساحرة الشر.
نظرت العجوز وقالت ضاحكة: “ما هذا؟ لقد اختفت قدما الساحرة الميتة تمامًا، ولم يتبقَ شيء سوى حذاءاها الفضيّان.”
قالت ساحرة الشمال: “ها هي تلاشت بسرعة تحت أشعة الشمس. هذه هي نهايتها. أما الحذاءان الفضيان فهما لك؛ لا بد أن تلبسيهما” ثم انحنت والتقطتهما، وأعطتهما للفتاة بعدما أزالت عنهما الغبار.
قال نفر من الأقزام: “كانت ساحرة الشر تفتخر بهما كثيرا. إنهما مسحوران؛ لكننا لم نعلم سرهما قط.”
حملت دوروثي زوج الأحذية إلى داخل المنزل ووضعته على الطاولة. ثم خرجت مرة أخرى إلى الأقزام وقالت:
“أنا قلقة جدًا، أريد العودة إلى عمتي وعمي، فأنا متأكدة أنهما سيقلقان عليَّ. هل يمكنكم مساعدتي في العثور على طريقي؟”
نظر الأقزام والساحرة إلى بعضهم البعض أولاً، ثم إلى الطفلة، وأخذوا يهزون رؤوسهم.
“قال أحدهم: “إلى الشرق، ليس بعيدًا من هنا، هناك صحراء عظيمة، ولا يمكن لأحد أن يعبرها.”
وقال الثاني: “الأمر نفسه في الجنوب لقد ذهبت إلى هناك ورأيتها. الجنوب هو بلاد الكوادلينجز”.
فقال ثالثهم: “سمعت أنّ الأمر نفسه في الغرب. وتلك البلاد، حيث يعيش الوينكيز، تحكمها ساحرة الغرب الشريرة، التي ستجعلك عبدة إذا عبرت من أراضيها.”
فقالت العجوز: “وأما الشمال فهي أرضي؛ وعلى حافتها تلك الصحراء العظيمة التي تحيط بأرض أوز.”
في هذه لحظة أجشهت الطفلة المسكينة بالبكاء، لأنها شعرت بالوحدة بين كل هؤلاء الأغراب. لم يتمالك الأقزام الطيبون أنفسهم أمام دموع تلك الطفلة، فقاموا على الفور بسحب مناديلهم وبدأوا يبكون أيضًا. أما العجوز الصغيرة، فقامت بخلع قبعتها ووضعت طرفها على مقربة من أنفها، بينما كانت تعد “واحد، اثنان، ثلاثة” بصوت مهيب. في الحال تحولت القبعة إلى لوحة صغيرة، على طيها كتب بخط كبير بالطباشير الأبيض:
“اسمحوا لدوروثي بالمرور إلى مدينة الزمرد.”
أخذت المرأة العجوز الصغيرة اللوحة، وبعد قراءة الكلمات المكتوبة عليها، سألت: “هل اسمك دوروثي، عزيزتي؟”
نظرت الطفلة لأعلى وقالت وهي تمسح دموعها: “نعم”.
قالت العجوز: “إذن يجب أن تذهبي إلى مدينة الزمرد. علّ أوز يساعدك.”
سألت الفتاة: “أين تقع هذه المدينة؟”
“إنها تحديدًا في وسط البلاد، ويحكمها أوز، الساحر العظيم الذي حدثتك عنه.”
سألت الطفلة: “هل هو رجل طيب؟”
“إنه ساحر طيب. لا يمكنني أن أخبرك ما إذا كان رجلاً أم لا، لأنني لم أره أبدًا.”
سألت الفتاة: “كيف يمكنني الوصول إلى هناك؟”
“يجب أن تقطعي المسافات مشيا في رحلة طويلة لا تنتهي عجائبها، عبر بلاد تكون في بعض الأحيان ممتعة وفي أحيان أخرى مظلمة ومرعبة. ومع ذلك، سأستخدم جميع الفنون السحرية التي أعرفها لأحفظك من الأذى”.
قالت الفتاة متوسلة إلى تلك العجوز؛ التي هي صديقتها الوحيدة الآن: “ألا ترافقينني؟”
أجابتها: “لا، لا أستطيع ذلك، ولكن سأعطيك قبلة، ولن يتجرأ أحد على إيذاء من تلقت قبلة من ساحرة الشمال.”
اقتربت العجوز من الطفلة وقبلتها قبلة سحرية؛ فقد انتبهت دوروثي أن القبلة أضاءت مكانها.
قالت ساحرة الشرق: “طريق الزمرد مرصع بالأحجار الصفراء؛ لذا لن تضلي الطريق. وعندما تصلين إلى أوز لا تخافي وقصي عليه قصتك واطلبي منه المساعدة. وداعًا صغيرتي!”
انحنى الأقزام الثلاثة تحية لها وتمنوا لها رحلة ممتعة، ثم انصرفوا بعيدًا واختفوا بين الأشجار. أومأت الساحرة لدوروثي بنظرة مملوءة بالود والامتنان، ثم قامت بالدوران حول كعب قدمها الأيسر ثلاث مرات، وفجأة اختفت، وما أن اختفت الساحرة حتى أخذ توتو في النباح؛ فما كان المسكين لينبح وهي بالقرب منه. أمّا دوروثي، فلم تستبعد أن تختفي ساحرة بهذه الطريقة الغريبة على الإطلاق.

الفصل 3: دوروثي تنقذ خيال الفزّاعة
تسلل الجوع إلى دوروثي بعد أن وقعت في أسر الوحدة، فقامت تفتش في الخزانة عما يقيم صلبها، أخذت كسرة من الخبز ودهنتها بالزبدة، وأعطت توتو نصيبه منها. ومدت يدها لتلتقط الدلو وحملته إلى النهر الصغير بمائه الصافي المتدفق، وملأت دلوها بالماء العذب. أمّا توتو فراح يقفز صوب الأشجار وينبح على الطيور الواقفة على أغصانها، وبينما تلاحقه الفتاة وقع بصرها على الثمرات اليانعة والفاكهة الناضجة، فمدت يدها وقطفت بعضًا منها وهي تحدث نفسها بأنّ هذا هو ما تحتاجه لمائدتها.
عادت إلى المنزل، وبعد أنْ شربت هي وتوتو شربةً هنيئة، شرعت في الاستعداد للرحلة إلى مدينة الزمرد. لم يكن مع تلك الفتاة الجميلة سوى فستان واحد آخر، ها هو معلق على وتد بجانب سريرها، نظيف وأنيق رغم أنّ يد الزمان قد طالته. كان ذا قماش قطني ناعم ذا نقوش بديعة، ومزخرفة بمربعات متداخلة من اللونين الأبيض والأزرق. وقد اعترت تلك المربعات الزرقاء بعض الشحوب بفعل الزمن، إلا أن الفستان ما زال جميلًا وزاد جماله لما ارتدته الفتاة، ووضعت قبعتها الوردية، وكأنما تضع تاجًا على رأسها.
وأخذت الأميرة تعد الزاد لرحلتها، فوضعت بعض الخبز في سلتها وغطته بقماش أبيض، وها هي جاهزة للانطلاق في زيها الملكي المتألق، لكن وقع بصرها على نقص شديد قد اعترى هذا الزي الجميل، عندما نظرت إلى قدميها، وقد فعل الزمن فعلته في حذائها. فقالت مخاطبةً توتو: “هذا الحذاء لن يكمل معي رحلتي الطويلة يا توتو.” فنظر توتو إلى وجهها بعينيه السوداوين الصغيرتين وهز ذيله وكأنه يفهم ما تقول.
وفي تلك اللحظة وقع بصرها على الحذاء الفضي، الذي كان لساحرة الشرق مُلقى على الطاولة. فحدّثت توتو قائلة: “تُرى هل سيناسبني هذا الحذاء؟ فهو الوحيد الذي يصلح لتلك الرحلة الطويلة؛ فلن يبلى مهما مشيت فيه.”
خلعت حذاءها البالي المصنوع من الجلد، وجربت الحذاء الفضي؛ الذي بدا في رجلها تحفة فنية وكأنما صيغ خصيصًا لها. ها قد جهز الزي الملكي على التمام. فالتقطت سلتها وتأهبت للانطلاق، وقالت: “تعال يا توتو. سنذهب إلى مدينة الزمرد، ونسأل أوز العظيم كيف نعود لكنساس ثانيةّ.” أغلقت بابها ووضعت مفتاحها في جيبها، وانطلقت في رحلتها وخلفها توتو متبخترًا وكأنه يتبع موكبًا ملكيًا بحق.
كانت أمامها عدة تفرعات وطرق، لكن سرعان ما وجدت طريقها المرصّع بالأحجار الصفراء. وعلى الفور راحت تقفز بحذائها الفضي على تلك الأحجار الصفراء فيرن نغما جميلا وكأنها تضرب على دُفٍّ معلنةً البدء في مسيرها إلى مدينة الزمرد. الشمس ساطعة والطيور تترنم، ولعلك لا ترى أي سوءٍ على وجه تلك الفتاة؛ التي أُخذت من موطنها إلى بلاد غريبة وعجيبة في غمضة عين.
أصاب الفتاة الذهول من روعة المنظر من حولها وهي تسير. على جانبي الطريق أسوار متقنة الصنع وأنيقة مطلية باللون الأزرق الفاتح، ومن ورائها الحقول المليئة بالحبوب والخضروات. فمن الواضح أنّ هؤلاء الأقزام مزارعون مهرة وقادرون على زراعة ما لذ وطاب من المحاصيل.
وكانت كلما مرت بمنزل خرج أهله لينظروا إليها منحنين لها إجلالا؛ فهم يعلمون أنها هي التي دمرت الساحرة الشريرة وحررتهم من العبودية. كانت منازل الأقزام تلك غريبة المنظر، فكلها مستديرة ومقببة، ومطلية باللون الأزرق؛ فهو اللون المفضل في الأراضي الشرقية على ما يبدو.
حلّ المساء وتعبت الفتاة، بعد شوطٍ كبيرٍ من المشي، وراحت تفكر وتتساءل أين ستقضي ليلتها تلك؟ وبينما هي شاردة في فكرها رأت منزلًا ضخما، أمامه ساحة خضراء، وعلى ما يبدو ثمة حفل أو ما شابه؛ فهناك فرقة موسيقية مكونة من خمسة عازفين، يعزفون على الكمان بنغمات صاخبة، ورجال ونساء غارقون في الرقص على تلك الأنغام، وبالقرب منهم مائدة عظيمة بها كل ما لذ وطاب من فاكهة ومكسرات وفطائر وكعك، وشتى أصناف الطعام الأخرى.
تقدمت الفتاة واستقبلها الناس بحبور، ودعوها للسهر بسرور وتناول العشاء معهم؛ فالسهرة كانت في بيت أحد وجهاء الأقزام مع أصدقائه الذين لا يزالون يحتفلون بتحررهم من عبودية الساحرة الشريرة.
تناولت الفتاة عشاءً شهيًا، حيث قام بوك، وهو اسم القزم الوجيه، بخدمتها بنفسه. ثم استراحت على الأريكة لتشاهد الحضور وهم يرقصون.
وعندما لمح بوك الحذاء الفضي قال: “لا بد أنك ساحرة عظيمة.”
فسألته: لماذا؟
“لأنك تنتعلين حذاءً فضيًا، فضلا عن أنك قتلتِ الساحرة الشريرة. ولكن ما جلب ناظري حقا هو هذا الثوب الأبيض الذي لا ترتديه إلا الساحرات والمشعوذات.”
ردت عليه وهي تبسط ثنايا فستانها وقالت: “فستاني منقوش باللونين الأزرق والأبيض.”
فقال لها بوك: “أنه لطف منك أن ترتدي هذا؛ فاللون الأزرق هو لون معشر الأقزام، والأبيض لون الساحرات. لذلك نحن نعلم أنك ساحرة طيبة.”
لم تجد دوروثي كيف ترد عليهم؛ فالكل غدى مقتنعًا أنها ساحرة، وهي ليست إلا فتاة صغيرة عادية جرفها إعصار إلى بلاد غريبة.
وعندما ملّت الفتاة من مشاهدة الرقص، اصطحبها بوك إلى المنزل، وأنزلها بغرفة بها سرير جميل، مفروش بملاءات زرقاء. استلقت دوروثي وغطّت في النوم حتى الصباح، واتكأ توتو بجانبها على السجّادة الزرقاء.
تناولت الفتاة فطورًا شهيًا، وشاهدت طفلًا صغيرًا من الأقزام يلعب مع توتو، ويشد ذيله وتتعالى ضحكاته بشدة. مما أدخل السرور والبهجة على دوروثي، وكان الفضول تجاه توتو يسيطر على الجميع فهم لم يروا كلبًا من قبل.
سألت الفتاة: “كم تبعد مدينة الزمرد عن هنا؟”
أجابها بوك بحزم: “لا أعلم، فأنا لم أذهب إليها من قبل. ومن الأفضل للناس أن يبتعدوا عن أوز، إلا لو كان لهم عنده أمر مهم. على كلٍ الطريق إلى مدينة الزمرد طويل، وسيستغرق عدة أيام. البلد هنا غني والعيشة طيبة، لكن في طريقك إلى وجهتك ستمرين حتما بأماكن وعرة ومحفوفة بالمخاطر قبل أن تصلي إلى نهاية رحلتك.”
أثارت تلك الكلمات بعض القلق في نفس الفتاة، لكنها تعلم أن أوز العظيم وحده هو القادر على مساعدتها في العودة إلى كانساس؛ لذا تشجعت وقررت ألا تتراجع وتمضي قدمًا.
ودّعت أصدقاءها، ثم انطلقت مجددًا في طريقها الممهد بالأحجار الصفراء. وبعد أن قطعت أميالًا، فكرت في التوقف لتأخذ قسطًا من الراحة؛ فتسلقت السياج الذي على جانب الطريق وجلست. خلف السياج قبالة حقل ذرة عظيم، وعلى مسافة ليست ببعيدة لمحت خيال فزّاعة معلق على عمود ليخيف الطيور ويبعدها عن محصول الذرة الناضجة.
أسندت الفتاة ذقنها على يدها، ونظرت متأملة في خيال الفزّاعة. كان رأسه عبارة عن كيس صغير محشو بالقش، وقد رُسمت له عينان وأنف وفم ليعطي هيئة الوجه الحقيقي. وفوق رأسه قبعة قديمة زرقاء ومذببة من الأعلى، كانت لأحد الأقزام في الغالب. أما عن باقي المجسّم فكان عبارة عن بدلة زرقاء باهتة وبالية، محشوة بالقش أيضًا. وفي قدميه حذاء مذبب، ذو رقبة طويلة أعلاها ملون بالأزرق؛ كتلك الذي ينتعلها كل رجل في هذا البلد. هذا وتم تعليق هذا المجسّم فوق أعواد الذرة عبر العمود المثبّت في ظهره.

وبينما كانت الفتاة تتأمل في وجه خيال الفزّاعة الملون، تفاجأت بغمزة صغيرة من إحدى عينيه، في أول الأمر ظنت أنها مخطئة؛ فلم يسبق لها أن رأت في كانساس خيال فزّاعة يغمز. وفي تلك اللحظة أومأ لها بود، فقفزت من على السياج وأسرعت نحوه. أما توتو فراح يركض حول العمود وأخذ ينبح.
بصوت أجش قال خيال الفزّاعة: “طاب يومك.”
سألت دوروثي متعجّبة: “أأنت قادر على الكلام؟”
أجابها: “بالتأكيد، كيف حالك؟”
ردت دوروثي بتأدب: “أنا بخير، شكرًا لك. كيف حالك؟”
ردّ خيال الفزّاعة مبتسمًا: “في الحقيقة، لست على ما يرام؛ فالأمر ممل جدًا أن أظل هنا ليلًا ونهارًا لإخافة الغربان.”
سألته الفتاة: “ألا تستطيع النزول؟”
“لا، فهذا العمود عالق في ظهري. هلّا تفضلتِ وأزلته، سأكون في الغاية الامتنان لك على صنيعك.”
رفعت الفتاة ذراعيها ونزعت التمثال عن العمود، وحجمه كان خفيفًا؛ لأنه محشو بالقش.
قال الفزّاعة بعد أن نزل إلى الأرض: “شكرًا جزيلًا لك، أشعر وكأني إنسان جديد.”
سيطرت الحيرة على الفتاة، فلا أغرب من أن تسمع رجلًا مصنوع من القش يتكلم، وتراه يتمايل ويمشي جنبها.
أخذ خيال الفزّاعة يتثاءب ثم قال: “من أنتِ؟ وإلى أين أنتِ ذاهبة؟”
أجابته الفتاة: “اسمي دوروثي، وأنا ذاهبة إلى مدينة الزمرد؛ لأطلب من أوز العظيم أن يعيدني إلى كانساس.”
سألها: “أين تقع مدينة الزمرد؟ ومن هو أوز هذا؟”
زاد عجبها وقالت: “ماذا؟ ألا علم لك به؟”
أجابها بحزن: “في الحقيقة لا، أنا لا أعرف شيئًا. كما ترين أنا كيس من القش، وليس لي أيّ عقل على الإطلاق.”
ردت الفتاة: “آه، أنا آسفة جدًا لأجلك.”
سألها: “هل تعتقدين أنني لو ذهبت معك إلى مدينة الزمرد، سيمنحني أوز عقلا من العقول؟”
أجابته: “لا أستطيع أن أعدك بشيء، لكن يمكنك أن ترافقني إن أردت. وإذا لم يمنحك أوز أي عقل، فلا داعي للقلق؛ فلن تكون في وضع أسوأ مما أنت فيه الآن.”
ناجى نفسه وقال: “هذا صحيح، كما ترين أنا لا أمانع أن تكون يدي ورجلي وجسمي محشو بالقش. فأنا لا أتأذّى إذا ما داس أحدهم على أصابع قدمي، أو غرز دبوسًا في جسمي، كل هذا لا يهم؛ فأنا لا أشعر بذلك. لكن لا أريد أن ينعتني الناس بالأحمق، وإذا ظل رأسي محشوًا بالقش بدلًا من العقل كالذي لكِ، فكيف لي أن أعرف أي شيء على الإطلاق؟”
قالت الفتاة وهي تشعر بالأسف على خيال الفزّاعة: “أفهم ما تشعر به. إذا أتيت معي سأطلب من أوز أن يفعل كل ما في وسعه ليساعدك.”
رد عليها ممتنًا: “شكرًا لكِ.”
عادوا إلى الطريق المرصع بالأحجار الصفراء بعد أن ساعدته الفتاة في اجتياز السياج، وانطلقوا في سيرهم إلى مدينة الزمرد.
يبدو أن توتو لم تعجبه هذه الإضافة في الفريق، فراح يحور ويدور حول الرجل المحشو ويشمه، كما لو أنه يشتبه في وجود فئران داخل هذا القش، ومن وقت لآخر كان يزمجر عليه منزعجًا.
قالت الفتاة لصديقها الجديد: “لا تقلق من توتو، إنه لا يعض أبدًا.”
أجابها خيال الفزّاعة: “آوه، أنا لست خائفًا، فلا يمكنه أن يؤذي كيسًا من القش. دعيني أحمل عنك هذه السلّة؛ فأنا لا أشعر بالتعب.”
ثم واصل سيره وقال: “سأخبرك بسر، ثمة شيء واحد فقط في العالم أخاف منه.”
سألت الفتاة: “ما هو هذا الشيء؟ أهو القزم المزارع الذي صنعك؟”
أجابها: “لا، إنه الاحتراق بأعواد الثقاب.”
الفصل 4: رحلة عبر الغابة
مرت الساعات وغدا الطريق وعرًا؛ فالأحجار الصفراء لم تعد صفراء بعد، بل أصبحت عثرات وإن شئت قل فخاخ، ففي كل خطوة إما حجرٌ مكسور أو آخر مفقود. وكان توتو يقفز من مكان لآخر ليجتاز تلك الحفر، بينما كانت دوروثي تدور وتتهادى لتتفاداها. أما عن كيس القش المسكين الذي لا لب له ولا دين، فماضٍ كضربة السيف لا يعرف أين هو ذاهب أو كيف، وكل حفرة يلقاها ينزل إلى أقصاها، وكانت الفتاة تخرجه وتساعده على الوقوف ثانيةً فيضحك على ما هو فيه من همٍّ محزن، كما يقولون.
من الواضح أنه لا تحظى تلك المنطقة بالرعاية التي حظيت بها البلاد التي رأتها الفتاة في أول رحلتها، حيث البهاء والجمال، فالمزارع تتلألأ فيها المحاصيل كأنها الياقوت والمرجان، والطرق معبدة وممهدة كالجنان، عكس ما تراه الآن من خلاء ووحدة ووحشة تتراء للعيان.
أتت الظهيرة وحان وقت الغداء، وجلس الفريق على جانب الطريق بالقرب من جدول صغير، ومدت دوروثي يدها في سلتها لتخرج من الزاد الذي جمعته لتلك الرحلة الطويلة. مدت يدها بكسرة خبز لخيال الفزّاعة فقال: “لست جائعًا، أو بالأحرى أنا لا أجوع؛ فأنّى لهذا البطن المحشو بالقش أن يطلب الزاد؟ وأنّى لهذا الفم المرسوم أن يشتهي الطعام؟ وحتى إن ثقبتيه لآكل منه سوف يخرج القش ويخرب رأسي، فلا يبقى فيه لا عقل ولا قش.” وكانت الفتاة تأكل وهي تستمع وتهز رأسها لتلك الحفنة من القش التي تندب وتنوح.
وبعد أن سدت الفتاة رمقها بتلك اللقيمات طلب منها خيال الفزّاعة أن تحكي له عن نفسها وعن وطنها، فقصّت عليه ما حدث، وعن هذا الإعصار الذي نقلها من كانساس الباهتة الفاترة ذات اللون الرمادي الكئيب إلى بلاد أوز العجيبة.
استمع خيال الفزّاعة إلى ما قصته عليه الفتاة بعناية، وعلى ما يبدو أن رأسه الخاوي يدور فيه تساؤل، لله در من يعلم كيف أتى، وبالفعل سألها قائلًا: “لا أعلم لماذا تتركين هذه البلاد العجيبة وتذهبين إلى كانساس الرمادية هذه؟”
أجابته: “هذا لأنك بلا عقل. نحن معشر البشر من لحمٍ ودمٍ، وأهم ما نتصف به هو تعلقنا بالأوطان؛ فمهما صنعت بنا الأقدار، ومهما تجولنا ورأينا فلا ينصرف ذهننا أبدًا عن أوطاننا، ونظل متعلقين بهذا المكان الذي نشعر فيه بالأمان والطمأنينة حتى ولو كان رماديًا.”
تنهد خيال الفزّاعة وقال: “أنا آسف. بالطبع لا أقدر على فهم ما تقولين. لكن ما أعرفه هو أنه لو كان البشر رؤوسهم محشوة بالقش، لعاشوا في البلاد الجميلة والعجيبة وهجروا كانساس، وهذا من حسن حظ كانساس، أن للبشر عقول.”
قالت له الفتاة: “ألا نغتنم تلك الاستراحة وتحكي لنا قصة؟”
نظر إليها خيال الفزّاعة وعينيه تنطق بالعتاب وقال: “حياتي أقصر من أن يكون فيها ما يُمكن أن يُحكى؛ بالأمس صنع المزارع رأسي، واختار أن يهبني أذنين فرسمهما، وبعدما انتهى منهما قال له قزم كان يقف معه: هل تعجبك هذين الأذنين؟! إنهما ليستا متطابقتين.”
فرد عليه قائلًا: “وإن… أليست بشاكلة أذن؟ وهذا يكفي.”
وأكمل عمله وهو يقول: “الآن أمنحه عينين.” فرسم عيني اليمنى، وحالما انتهى انفتحت عيني على العالم فرأيته ورأيت هذا العالم المليء بالأشياء المثيرة للتأمل والفضول.
استمر المزارع وهو يقول: “لعلّي أجعل الأخرى أوسع قليلًا.” وما أن انتهى منها وجدت نفسي أبصر العالم بوضوح أكثر. وأخذ يكمل هيئتي فجعل لي أنفًا وفمًا، وكنت مستمتعًا وأنا أراه يمنحني ذراعين فساقين؛ وها قد اكتملت هيئتي كهيئة البشر، وشعرت حينها بفخر عظيم وكأني قد صرت رجلًا كأيٍ من الذين يطئون البسيطة.
ولعل صانعي قد أعجبته صنعته التي صنع فقال محدثًا نفسه وصاحبه: “ها هو الرجل الذي صنعت، وحارسي الذي عيّنت؛ من الآن لن يجرؤ غراب على وطئ هذه الأرض.” وتأبطني ونزل بي إلى الحقل وعلقني على خشبة ومشى هو وصاحبه، فوجدت نفسي وكأني مصلوب على هذه الأرض. وما كنت أظن أنني سوف أُترك هكذا، فحاولت أن أنزل وألحق بهما؛ لكن بلا جدوى، فقدمي لا تصل إلى الأرض.
ضاق صدري وشعرت بخذلان شديد؛ وما من ماضٍ لي حتى أتفكر فيه أو أتحسر عليه، وفي تلك اللحظات الموحشة، أتت بعض الغربان فلما رأتني خافت وطارت بعيدًا، فشعرت حينها أني موجود ولي تأثير في هذا العالم، لكن سرعان ما أتى غراب عجوز ليحطم هذا الأمل الذي ظهر ويطفئ هذا الشعاع الذي لاح؛ فوقف على كتفي وحدق في ساخرًا وهو يقول: “أيظن هذا المزارع الأبله أنه قادر على خداعي بلعبته الخرقاء هذه. ونزل إلى الأرض وأكل حتى اكتفى، ولما رأته باقي الغربان جاءت هي الأخرى ونزلت ترتع، غير آبه باللعبة المصلوبة.
اشتد حزني ولعل الغراب العجوز شعر بي، فنظر إلى وقال: “لا تحزن، لو كان لك عقل لصرت كواحدٍ من البشر ولربما صرت أفضل، العقل فقط هو ما يستحق أن يتمناه أي مخلوق، غرابًا كان أو إنسان.”
رحل الغراب الحكيم ومعه عشيرته وطال فكري؛ وتمنيت لو كانت لي القدرة في الحصول على عقلٍ حتى أتيتِ أنتِ وقمتِ بتخليصي. وأنا واثق فيكِ ولي أمل في أن يمنحني أوز العظيم عقلًا حال وصولنا إلى مدينة الزمرد.
قالت الفتاة مواسيةً له: “آمل أن يتحقق لك مطلبك، فأنا أرى حرصك عليه.” فرد قائلًا: “نعم، وأي حرص هو! فما من شيء أبغض من الغباء.” ناولته الفتاة السلة وقالت: “حسنًا، هيا لنكمل رحلتنا.”
الطريق الآن بلا أسوار وإنما تحفه الأشجار العالية الكثيفة من الجانبين؛ ومن كثافة تلك الأشجار جعلت الطريق وكأنه نفق؛ فلا يمكن لسالك هذا الطريق أن يرى حتى ضوء النهار. واصل فريق المغامرين الطامحين المسير ولم يتوقفوا، وفي لحظة من لحظات تجلّي كومة القش المتنقلة، ينطق بيانًا ويتحف السامع فيقول: من سلك هذا الطريق فلا بد أنه ينهيه، وطالما أن مدينة الزمرد في تلك الناحية التي نسير نحوها فلا بد أن نصل.” فقالت الفتاة وقد بُهتت من حكمته العظيمة: “وهل من أحدٍ لا يعرف ما تقول؟ وهل لأحدٍ أن ينكر ما تردده من بديهيات أيها الحكيم؟” فقال: “نعم، نعم. أعرف ذلك. إنا كان ما قلته يستلزم عقل أو حكمة لما وتفوهت به.”
دخل الليل وزادت العتمة، الظلام حالك والفتاة لا ترى أي شيء وصارت تتعثر، وقد لا يزعج هذا الظلام توتو؛ فالكلاب ترى بوضوح في الظلام، أما خيال الفزّاعة فقال: “نقطة جديدة في رصيد كومة القش؛ فأنا أستطيع الرؤية في الليل تمامًا كما في النهار.” فتعلقت الفتاة في ذراعه وهدأت نفسها قليلًا وقالت: “حسنًا، عليك أن تجد لنا بيتًا أو أي مكان نقضي فيه ساعات الليل الطويلة هذه، فلا يمكننا المسير وإكمال رحلتنا في هذا الظلام الحالك.”
لم تطل تلك اللحظات الموحشة حتى صاح خيال الفزّاعة وقال: “كوخ، أرى كوخًا صغيرًا هناك على اليمين، مبنيًا من جذوع الشجر. أنذهب صوبه؟” أجابته الطفلة: “بكل تأكيد، أنا متعبة جدًا، لنذهب إليه لعلّه يؤنس وحشتنا ونأخذ فيه قسطًا من الراحة، حتى تنقضي ساعات الليل الطوال.”
اقتادها خيال الفزّاعة وعبروا من بين الأشجار حتى وصلوا إلى الكوخ، دخلت الفتاة فوجدت سريرًا مصنوع من أوراق الشجر في إحدى الزوايا، وعلى الفور ذهبت واستلقت وغطت في نومها وإلى جانبها توتو، هو الآخر غطّ في النوم سريعًا، أما خيال الفزّاعة فوقف في الزاوية الأخرى لينتظر طلوع فجر يوم جديد.

الفصل 5: إنقاذ الحطّاب الصفيح
أشرقت الشمس بنورها الوضّاح، وتسللت أشعتها من بين الأشجار لتوقظ دوروثي، ويبدو أن توتو قد استيقظ مبكرًا، وخرج كعادته ليشاكس خلق الله، لا سيما الطيور والسناجب. نظرت الفتاة حولها فوجدت رفيقها كيس القش واقفًا على حاله، ينتظرها في الزاوية.
فقالت له الفتاة: “يجب أن نذهب ونبحث عن الماء.” فسألها: “لماذا تريدين الماء؟”
جاوبته: “لأغسل وجهي من غبار الطريق، وألين به حنجرتي حتى لا تجرح كسرات الخبز اليابس حلقي.
لما سمع خيال الفزّاعة ما تقوله الفتاة قال محدثًا نفسه: “يا له من همٍ، أن يُخلق المرء من لحمٍ ودمٍ، يشعر بالتعب فينام ليرتاح، يجوع فيأكل ليشبع، يعطش فيشرب ليرتوي. وكل هذا العناء غير عناء التفكير والتدبير إذا كان له نصيبًا من العقل.”
غادر الرفاق الكوخ وانطلقوا ليبحثوا عن الماء، وفي طريقهم وجدوا نبعًا صغيرًا يتدفق منه الماء العذب، فشربت الفتاة واستحمت وجلست لتتناول فطورها، وفي هذه اللحظة انتبهت لسلة الخبز التي قاربت على الانتهاء، فشكرت الله على رفيقها المصنوع من القش الذي لا يجوع ولا يأكل، فما تبّقى من الخبز بالكاد يكفيها هي وتوتو لهذا اليوم.
انتهت الفتاة من فطورها وتأهبت للعود إلى طريق الأحجار الصفراء لتكمل رحلتها هي ورفيقيها، وبينما هم سائرون سمعت الفتاة أنينًا فسألت في خوف: “ما هذا؟” فأجابها خيال الفزّاعة: “لا أعرف؟ يمكننا أن نذهب لنتفقد مصدر الصوت.”
تكرر هذا الأنين مرة أخرى فانتبهوا أنه قادم من خلفهم، فرجعوا وساروا بين الأشجار، فلمحت الفتاة شيئًا يلمع تحت أشعة الشمس، ركضت نحوه وفجأة صرخت وتسّمرت في مكانها.
كانت إحدى الأشجار الكبيرة شِبه مقطوعة، ويقف بجانبها رجل مصنوع من الصفيح، ثابت لا يتحرك كأنه صنم، وفي يديه فأس مرفوعة. فنظرت إليه الفتاة في ذهول وبجانبها خيال الفزّاعة، بينما توتو راح ينبح عليه وحاول أن يعضه من ساقه الصفيحية، وكادت أن تُكسر أسنانه.
سألته الفتاة: “أأنت الذي تتأوه؟”
أجاب الرجل الصفيح: “منذ أعوام وأنا أتأوه هنا وحدي، ولم يسمع أنيني أحد، ولم يأتِ أحد ليساعدني.”
رق قلب الفتاة لهذا الصوت الحزين فقالت له متألمة: “ما الذي يمكنني فعله لك؟”

أجابها: “هلا تحضرين الزيت وتدهني مفاصلي، إنها صدئة ولا أستطيع الحركة؛ لو دهنتيها بالزيت سأكون على ما يرام. ستجدين المزيتة على أحد الرفوف في كوخي هناك.”
ركضت الفتاة على الفور إلى الكوخ وأحضرت المزيتة، واقتربت منه وقالت: “ها هو الزيت، أين مفاصلك؟”
أجابها: “ابدأي برقبتي.” فبدأت الفتاة بوضع الزيت على رقبته وساعدها خيال الفزّاعة وراح يحرك رأس الرجل الصفيح بلطفٍ يمينًا ويسارًا.
قال الرجل الصفيح: “الآن ضعي الزيت بين مفاصل ذراعي.” قامت الفتاة بتزييت مفاصل ذراعيه، وخيال الفزّاعة يقوم بثنيها حتى انجلت وزال عنها الصدأ.
تنفس الرجل الصفيح الصعداء وأنزل يديه وأسند الفأس على الشجرة، وقال متنهدًا: “لأعوام طوال وأنا أحمل هذا الفأس ولا أقدر على إنزال يدي. أتمّي معروفكِ وادهني ساقي، ها أنا أشعر براحة لم أشعر بها منذ زمن بعيد.”
دهنت الفتاة ساقيه، وها هو يحركهما بحرية، وراح هذا المخلوق المسكين يشكرهما مرارًا وتكرارًا. وقال:” لو لم تأتِ لظللت واقفًا هنا في هذا العذاب، لقد أنقذتِ حياتي، تُرى ما الذي أتى بكِ إلى هنا؟”
فأجابته: “لقد توقفنا عند كوخك لنقضي فيه ليلتنا الماضية، ونحن في طريقنا إلى مدينة الزمرد، لنقابل أوز العظيم.”
سألتها: “ولماذا ترغبين في مقابلة أوز؟”
أجابته: “أريده أن يساعدني في العودة إلى موطني (كانساس)، ورفيقي هذا يريد منه أن يمنحه عقلًا.”
في هذه اللحظة غرق الرجل الصفيح في التفكير ثم قال: “هل تظنين أن أوز قادر على أن يمنحني قلبًا؟”
ردت الفتاة: “ولما لا. أظن الأمر سهلًا تمامًا كمثل إعطاء خيال الفزّاعة عقلًا.”
فقال الرجل الصفيح: “أجل، صحيح. هل تسمحين لي بالانضمام إليكم؟ سأرافقكم في رحلتكم إلى مدينة الزمردـ، وأطلب من أوز أن يساعدني.”
فقال خيال الفزّاعة بحماس: “نعم، تعال معنا.” وأضافت الفتاة: “بكل سرور، يمكنك أن تنضم إلى فريقنا.”
حمل الرجل الصفيح فأسه وانطلق المغامرون غبر الغابة ليسلكوا طريق الأحجار الصفراء مرة أخرى.
وطلب الرجل الصفيح من الفتاة أن تضع المزيتة في سلتها، وقال: “ربما تسقط الأمطار وتصدأ مفاصلي مجددًا، لذا سوف أحتاجها حتما.”
ومن حسن الظن أن رافقهم الرجل الصفيح بفأسه، فالطريق مليء بالأشجار الكثيفة التي كادت أن تقطع عليهم طريقهم، لولا أن قام هو بتقطيع تلك الأشجار ومهد لهم الطريق.
كانت الفتاة مستغرقة في التفكير أثناء سيرها ونسيت كومة القش التي تسقط في كل في حفرة تلقاها، وبالفعل سقط خيال الفزّاعة في حفرة على جانب الطريق ونادى الفتاة لتنقذه.
فسأله الرجل الصفيح: “لماذا لا تتفادى تلك الحفر؟” فأجابه خيال الفزّاعة ممازحًا: “لا أعرف شيئًا ولا أدرك شيئًا، لهذا أنا ذاهب لأطلب من أوز العظيم أن يمنحني عقلًا.”
قال الرجل الصفيح: “آه، فهمت. على كل حال، العقل ليس أفضل شيء في العالم.”
فقال خيال الفزّاعة متسائلًا: “ألك عقل؟”
فأجابه الرجل الصفيح: “لا، رأسي خاو على عروشه الآن، ولكن كان لي عقل وقلب من قبل، وجربت كليهما وأُفضّل أن أحظى بقلبٍ.”
سأله خيال الفزّاعة: “وما السر وراء ذلك؟”
أجابه: “سأخبرك قصتي، وحينها ستعرف السر.”
وفي طريقهم بدأ الرجل الصفيح يقص عليهم قصته.
“كان أبي حطّابًا يكسب قوت يومه من تقطيع الأشجار في الغابة وبيعها، ولما كبرت ورثت صنعة أبي، ولما مات لم يبق لي أحد غير والدتي، التي سهرت على راحتها، وفكرت في أن أتزوج لأجد من يؤنسني في هذه الحياة.
كانت هناك فتاة جميلة من معشر الأقزام وقعت في حبها، واتفقنا أن نتزوج عندما أجمع ما يكفينا من المال حتى نبني بيتًا يجمعنا، فصرت أكد وأكدح وأسابق الزمن، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. فقد كانت تلك الفتاة تعيش مع امرأة عجوز كسولة ولا تريد أن تعتق الفتاة فتفارقها، لأنها كانت تخدمها، ومن هنا تبدأ القصة؛
رفضت تلك المرأة فكرة زواجي من خادمتها، ودبرت لي مكيدة لتتخلص مني وتنهي تلك الزيجة قبل وقوعها، فذهبت إلى ساحرة الشرق الشريرة ووعدتها بخروفين وبقرة مقابل أن تساعدها في التخلص مني والقضاء علي. وبالفعل قامت ساحرة الشرق الشريرة بصنع تعويذة سحرية لفأسي، وذات مرة وأنا أعمل وأقطع الأشجار، سقط الفأس مني فبترت ساقي اليسرى. اسودت الدنيا في عيني وملأ الهم قلبي، فكيف لحطّابٍ أن يعمل وهو برجل واحدة، فأتت لي فكرة أن أذهب إلى الحداد، فصنع لي ساقًا من الصفيح، وعادت لي القدرة على العمل، وبدأت أعمل من جديد، فاغتاظت الساحرة واستشاط غضبها، فألقت تعويذة أخرى، أصابني على إثرها ما أصابني أول أمري وسقطت الفأس على رجلي الأخرى.
لم أفقد الأمل وذهبت للحداد وطلبت منه أن يصنع لي ساقًا كالسابقة، وعدت للعمل مجددًا، وهكذا ظلت الساحرة تلاحقني حتى فقدت كلتا ذراعي، إلى أن سقط الفأس وقطع رأسي، وفي هذه المرة ظننت أن أمري انتهى، لكن جاء الحداد صدفة فوجد ما بقي من جسدي فوجد لحالي المرير وصنع لي رأسًا من الصفيح.
بعد كل تلك المحاولات التي قامت بها ساحرة الشرق، وفي كل مرة كنت أصر على الصمود ولم أفكر للحظة في الاستسلام أو أن أفقد الأمل، وبعد أن فقدت كل أعضائي واستبدلتها بأًخر من الصفيح، ظننت أنه لم يعد لساحرة الشرق ما تفعله بي، وكانت إثر ذلك الضربة القاصمة؛ ويا لقساوة ما فعله أعدائي بي، فقد جعلت الساحرة الفأس تسقط على صدري، فشقته إلى نصفين، وكالعادة جاء الحداد ليصنع لي صدرًا من الصفيح، لكن هذه المرة لم تكن ككل مرة، لقد فقدت قلبي.
الآن جسدي كله من الصفيح، بالأحرى ما أنا إلا جلمود حديدي، لا قلب يخفق بين أضلعي، ولا فؤاد يتفكر في حبيبته التي تنتظره. لم أعد أشعر بأي خوف لفأس تسقط، أو جرح ينزف، لم يعد هناك ما يهدد هذا الجسد الحديدي اللامع إلا الصدأ. لذلك لم أهتم بشيء غير اهتمامي بعلبة الزيت هذه، آخذها معي أين ما حللت، ولكن في يوم من الأيام نسيت أن آخذها وهبت عاصفة شديدة وسقطت أمطار غزيرةـ صدأت مفاصلي على إثرها وتصلب جسمي كله، وظللت منتصبا على هيئتي هذه التي وجدتني عليها، ولم يكن عذابي أن صدأة مفاصلي ولم أعد قادر على الحراك، لكنّ عذابي الأكبر هو أنني طوال تلك الفترة كنت أتجرع مرارة فقدان أغلى ما قد يملكه أي مخلوق، إنه القلب. لذلك أنا مصر على أن أقابل أوز وأطلب منه أن يمحني قلبًا.”
لما استمعت الفتاة وخيال الفزّاعة إلى قصة الحطّاب الملحمية، فهما ما يعنيه الحطّاب الصفيح، وأدركا ما يمثله له القلب.
وعلّق خيال الفزّاعة قائلًا: “على كل حال لم يتغير طلبي، فأنا مازلت حريصًا على أن أحصل على عقل، لأنه ماذا ينتفع المرء لو حاز قلبًا ولم يكن عنده عقل يدرك قيمة هذا القلب؟”
فقال الحطّاب الصفيح: “سأطلب القلب لا محالة، فالعقل لا يجعل المرء سعيدًا، والسعادة هي أجمل شيء في الحياة.”
أما دوروثي فلم تعلق على أيّ شيء، وكانت في حيرة من أمر رفيقيْهَا، ولم يخطر بخاطرها شيء عدى أنها لو عادت إلى كانساس حيث العمة إيم، فلا يهم أبدًا من منهما على حق.
وزاد همها حينما تذكرت تلك السلة التي لم يعد فيها إلا رغيف أو اثنين، سيلتهمها توتو، أما هي فليست مصنوعة من القش أو الصفيح حتى تعيش بلا طعام.
الفصل 6: الأسد الجبان
سارت دوروثي مع رفاقها عبر الغابة في طريقهم ذي الأحجار الصفراء التي غطتها الأغصان اليابسة والأوراق الذابلة، وكانت رحلتهم مزيج من الجمال والغموض، والطبيعة بسحرها وبمخاوفها أيضًا، فالطيور تحلق في السماء الواسعة وقد زينتها الشمس بإشراقها، لكن ما أثار خوف الفتاة، تلك الزمجرة التي تتكرر من حين لآخر، فلا هي تعرف من يصدر تلك الأصوات ولا من أين تأتي. أما توتو فيعلم جيدًا كل شيء، وتراه قد شعر بالفتاة الخائفة؛ فاقترب منها وسار بجانبها في صمت وكأنه يخاطبها قائلًا: “لا تخافي يا عزيزتي، ها أنا صديقك الوفي، موجود دائمًا لدعمك.”
سألت الفتاة الحطّاب: “أبقي الكثير على خروجنا من هذه الغابة؟”
أجابها: “لا أعرف؛ فأنا لم أذهب إلى مدينة الزمرد هذه قبل ذلك، لكن والدي ذهب إليها ذات مرة، عندما كنت طفلًا، وحكى لنا أن رحلتها كانت طويلة ومحفوفة بالمخاطر، لكن أخبرنا أن الريف رائع وخلاب بالقرب من المدينة التي يسكن فيها أوز. على كل حال، لا داعي للخوف أبدًا؛ فأنا معي علبة الزيت، ولن يصيبني أي أذى، وكذلك خيال الفزّاعةـ لا يستطيع أحد أن يؤذي تلك الكومة من القش، وأنتِ على جبينك قبلة الساحرة الطيبة، ولا يقدر أحد على إيذائك أيضا.”
فقالت الفتاة: وماذا عن المسكين توتو؟ ما الذي يحميه؟”
أجابها الحطّاب الصفيح: “بالطبع نحن، سنحميه بأنفسنا من أيّ خطر.”
وبينما يتحدث الحطّاب، صدر زئير هز الغابة كلها، وظهر فجأة أسد ضخم وضرب خيال الفزّاعة ضربة أطاحت به ورفعته إلى السماء وسقطت على حافة الطريق، وضرب الحطّاب فسقط هو الآخر لكن دون أن تترك تلك الضربة أي أثر في جسده الصفيح، أما توتو فعليه أن يواجه عدوه؛ فركض نحو الأسد وراح ينبح، والأسد فاتحًا فاه ليبلعه، فاندفعت الفتاة وصفعت الأسد على أنفه صفعة قوية وصرخت في وجهه قائلة: “ألا تخجل من نفسك وأنت وحش كبير وتريد أن تعض هذا الكلب الصغير المسكين؟”

قال الأسد وهو يفرك أنفه بمخلبه حيث ضربته دوروثي:” لم أعضه بعد. “
فردت عليه الفتاة قائلة: “لكنك حاولت. أنت لست سوى جبان كبير.”
قال الأسد خافضًا رأسه من الخجل: “أعرف ذلك، لطالما عرفت ذلك، ولكن ماذا أفعل بنفسي؟ كيف لي أن أغير ذلك؟”
“لا أعرف حقيقةً، لكن لا يمكنك تغيير ذلك بضربك لخيال فزّاعة محشو بالقش.”
رد عليها متفاجئًا: “محشو بالقش؟”
أجابته الفتاة في غضب وهي تلتقط خيال الفزّاعة وتضعه على قدميه وتخبط عليه لتعيده إلى هيئته: “بالطبع، إنه محشو بالقش.”
قال الأسد: “لهذا السبب إذن طار في الهواء بسهولة، لقد استغربت مما أصابه من ضربتي، هل الآخر محشو بالقش أيضًا؟”
ردت عليه الفتاة وهي تساعد الحطّاب على النهوض: “لا، إنه مصنوع من الصفيح.”
فقال الأسد: “لهذا كدت أن أفقد مخالبي ولم أخدش جسمه حتى. لقد أقشعرّ بدني. ومن هذا الصغير الذي يحظى بكل هذا الحب والرعاية؟”
أجابته: “إنه كلبي توتو.”
فسألها: “هل هو مصنوع من الصفيح أم محشو بالقش؟”
قالت الفتاة: “إنه مخلوق من لحم ودم.”
قال الأسد وقد بدا عليه الحزن: “إنه فضولي وصغير للغاية، لا يفكر في عض هذا المسكين إلا جبان مثلي.”
نظرت الفتاة إلى هذا الوحش الضخم الذي يبدو في حقيقته كحصان صغير وقالت: “وما الذي يجعلك جبانًا؟”
قال الأسد: “إنه لغز محيّر، أعتقد أني ولدت هكذا، يُنتظر مني أن أكون شجاعًا، فكل المخلوقات تعرف أن الأسد هو ملك الغابة، وأعلم أن زئيري يثير الرعب في قلوب الجميع، وبرغم أني كلما واجهت رجلًا شعرت بالخوف، إلا أنه بمجرد أن أزأر يرتعد الرجل ويفر من أمامي، ولو حاولت الفيلة والنمور والدببة قتالي، للُذت بالفرار، أنا جبان للغاية، لكن الكل يهرب من أمامي بمجرد أن أزأر، وبالطبع أتركهم يذهبون.”
قال خيال الفزّاعة: “لكن هذا غير معقول، لا ينبغي لسيد الوحوش أن يكون جبانًا.”
قال الأسد وهو يمسح دمعة نزلت من عينه بطرف ذيله: “لا داعي لأن تخبرني بذلك. إنها مأساتي، فعندما يكون هناك خطر ما فإنّ فرائصي ترتعد دون أن أشعر.”
قال الحطّاب الصفيح: “ربما تكون مصابًا بمرض في قلبك.”
رد الأسد: “قد يكون الأمر كذلك.”
تابع الحطّاب: “إن كان الأمر كذلك، فعليك أن تكون سعيدًا، فعلى الأقل لك قلب، أما أنا فلا قلب لي، ولن أعاني من أوجاعه قط.”
قال الأسد متفكرًا: “ربما لو لم يكن لي قلب لما كنت جبانًا.”
سأله خيال الفزّاعة: “ألك عقل؟”
أجابه: “يفترض ذلك، فأنا لم أره من قبل حقيقة.”
قال خيال الفزّاعة: “سأذهب إلى أوز العظيم لأطلب منه أن يمنحني عقلًا، لأن رأسي محشو بالقش.”
وقال الحطّاب الصفيح: “وأنا سأطلب منه أن يمنحني قلبًا.”
وقالت الفتاة: “وأنا سأطلب منه أن يعيدني أنا وتوتو إلى وطني كانساس.”
سأل الأسد الجبان: “هل تعتقدون أن أوز قادر على أن يمنحني الشجاعة؟”
قال خيال الفزّاعة: “سيكون هذا رائعا لو منحني عقلًا.”
وقال الحطّاب الصفيح: “أو منحني قلبًا.”
وقالت الفتاة: “أو أعادني إلى موطني كانساس.”
فقال الأسد: “إذا كنتِ لا تمانعي، سأذهب معكِ، لأن حياتي لا تطاق لافتقادي للشجاعة اللازمة.”
ردت عليه الفتاة وقالت: “بكل تأكيد لا أمانع، مرحبًا بك بيننا. بل هذا أمر سيسعدنا لأنك سوف تحمينا من الوحوش البرية خلال رحلتنا، وهم أكثر جبنًا منك، طالما يفرون منك.”
قال الأسد: “إنهم كذلك، لكن هذا لن يجعلني أكثر شجاعة، طالما أعرف أنني جبان.”
وهكذا انطلق الرفاق المغامرون في رحلتهم، كل منهم يحلم بطوق النجاة الذي سيلقيه له أوز العظيم. مشيَ الأسد بخطىً واثقة بجانب الفتاة، لكن توتو غير راضٍ عن هذا العضو الجديد الذي انضم إلى الفريق، فهو لم ينس بعد أنه منذ دقائق كان بين فكي هذا الأسد، لكن الوقت يعالج كل شيء، فبعد فترة صار توتو والأسد صديقين حميمين.
سار الرفاق في طريقهم ومر هذا اليوم بلا أي مغامرات جديدة، وبينما هم في طريقهم داس الحطّاب على خنفساء فقتلها دون أن يقصد، فاستاء جدًا لما صنع، واغتم واشتد حزنه، لأنه قتل ذلك المخلوق الصغير، فسالت دموعه، وأخذت الدموع تنزل على خديه فنزلت على فكه فصدأ. حاول أن يلفت انتباه الفتاة لتساعده لكنها لم تفهم تلميحه، وكان الأسد أيضًا في حيرة من أمره ولا يعرف ما الخطب، لكن خيال الفزّاعة سرعان ما استوعب الأمر وأخذ المزيتة من السلة، ووضع الزيت على فك الحطّاب، وبعد لحظات قليلة استطاع التحدث فقال: “هذا درس لي في أن أنتبه إلى طريقي، أنظر إلى خطواتـي، حتى لا أكرر ما حدث، وأعود لأبكي فيصدأ فكي، وأعجز عن الكلام. أنتم أصحاب القلوب، لكم ما يرشدكم حتى لا ترتكبوا الأخطاء، أما أنا فعلي أن أكون أكثر حرصا، حتى لا أتحول إلى شخص قاس، بل رحمة.”
ومشيَ طوال الطريق في حذر شديد، حتى أنه إذا رأى نملة صغيرة تمشي أنتظرها حتى لا يدوس عليها أو يُؤذيها.
الفصل 7: الرحلة إلى أوز العظيم
اضطر الرفاق إلى التخييم في الغابة تلك الليلة، فلا توجد منازل قريبة منهم، فأوَوا إلى شجرة عظيمة غطتهم بفروعها الكثيفة، وقام الحطّاب بتقطيع كومة من الخشب وأشعلت دوروثي النار التي آنستها وخففت من رهبتها، فجلست هادئة لتتناول وتوتو آخر كسرة خبز في السلّة، ولا تعلم ماذا ستصنع في الصباح وكيف ستحصل على فطورٍ لها هي وتوتو المسكين.
قال الأسد: “هل ترغبين في أن أذهب إلى الغابة واصطاد لك غزالًا؟ يمكنك شيّه على النار، أنا أعلم أن لكِ ذوق خاص وتأكلين الطعام المطهو، ستكون تلك وجبة شهية ولذيذة.” فصاح الحطّاب: “لا تفعل رجاء، سيثير ذلك حزني، وسأبكي بحرقة على مصاب ذلك الغزال المسكين ويصدأ فكي مرة أخرى.” فذهب الأسد ليدبر أمره ويطلب عشاءه، والذي لم يعرف أحد منهم ما هو.
في الأثناء وجد خيال الفزّاعة شجرة مليئة بالجوز، فذهب ليملأ السلّة حتى تضمن الفتاة مؤونة تكفيها بعض الوقت، شعرت دوروثي بالامتنان لهذا الكائن المسكين، لكن ما آثار ضحكها هو شكل خيال الفزّاعة وهو يجمع الجوز في السّلة بيديه المبطنتين، وقد سقط من بينهما كل الجوز الذي جمعه تقريبًا، لكن لم يعبأ خيال الفزّاعة بهذا ولم يهمه الوقت الذي قد يستغرقه في عمله هذا طالما هو بعيد عن النار التي أثارت فزعه، فقد كان يخاف من أن تتطاير شرارة وتشتعل في جسمه المحشو بالقش. فظل بعيدًا عنها ما استطاع ولم يقترب إلا عندما استلقت الفتاة لتنام فجاء ليغطيها ببعض أوراق الشجر الجافة، فشعرت بالدفء ونامت في سكينة حتى الفجر.
في صباح اليوم الموالي، عندما أشرقت الشمس، استيقظت الفتاة وغسلت وجهها، واستعدت لتكمل رحلتها هي ورفاقها، وانطلقوا إلى مدينة الزمرد. لقد كان ذلك اليوم حافلًا بالمغامرات، فما أن مرت ساعات قليلة حتى قابلوا خندقًا كبيرًا يقطع الطريق بطول الغابة، ولما اقتربوا من حافته تسللوا بحذر، فالحافة شديدة الانحدار، ونظروا فوجدوه عميقًا سحيقا في قاعه صخور حادة ومسننة. بدى الأمر وكأنّ رحلتهم ستنتهي إلى هنا. قالت الفتاة وقد سيطر عليها اليأس: “ماذا سنفعل الآن؟” قال الحطّاب: “ليس لدي أدنى فكرة.” هز الأسد لُبدته وبدا متفكّرًا، وقال خيال الفزّاعة: “لا نستطيع الطيران، ولا يمكننا النزول إلى هذا الخندق المرعب، فليس أمامنا إلا القفز، أو تنتهي مغامرتنا.” قال الأسد بعد أن قدّر المسافة في ذهنه: “أظن أنني أستطيع أن أقفز فوقه وأعبره.”
فقال خيال الفزّاعة: “إذن حُلّت المشكلة، تحملنا وتقفز بنا واحد تلو الآخر.” قال الأسد: “حسنًا، دعونا نجرب، من سيقفز أولًا.” فقال الفزّاعة: “أنا سآتي معك، لنتأكد أولًا ما إذا كنت قادرًا على اجتياز هذا الخندق أم لا، فإن تعثرت أو حدث شيء ما فلا خوف علي إن سقطت، أما دوروثي فقد تصاب بمكروه إن سقطت وكذا الحطّاب الصفيح، قد ينبعج جسمه الصفيح ويتحطم إن اصطدم بالصخور.” قال الأسد: “هذه فكرة سديدة، معك حق؛ فأنا كذلك أخشى السقوط، لكن ليس أمامنا إلا المحاولة، هيّا أركب ظهري.”
ركب خيال الفزّاعة فوق ظهر الأسد، ومشي نحو الحافة ثم ربض، فسأله خيال الفزّاعة مستنكرًا: “لما لا تجري ثم تقفز؟” فرد عليه الأسد قائلًا: “هذه ليست طريقتنا نحن معاشر الأسود.” ثم وثب وثبة عالية في الهواء كأنه رمح وحط على الجانب الآخر بأمان. سُرّ الرفاق بما رأوه وأعجبهم ما فعله الأسد، وكيف تمكن من القفز كل تلك المسافة بهذه المهارة والسهولة. وبعد أن نزل خيال الفزّاعة عن ظهره، قفز الأسد مرة أخرى راجعا من حيث بدء، فتشجعت الفتاة وقررت أن تكون هي التالية، فحملت توتو بين ذراعيها وركبت فوق ظهر الأسد، وأحكمت قبضتها بلبدته، وفي لحظة شعرت وكأنها تحلق في السماء، وفي غمضة عين وقبل أن تنتبه لما يحدث وجدت نفسها في الناحية الأخرى من الخندق. كرر الأسد مرة أخرى ما قام به وقفز ليجلب الحطّاب الصفيح، وعبر به بنجاح. وبهذا قد عبر الفريق كله الخندق المخيف، فسكنت نفوسهم وجلسوا ليستريحوا، وبالأخص السبع الهُمام الذي أرهقته الوثبات العالية، وجعلته يلهث ككلبٍ كبير ركض لمسافات طويلة.
أخذوا قسطهم من الراحة وثم ما هالهم إلا أنّ الغابة بدت أكثر كثافة وعتمة الآن. فكانت تثير الوحشة في قلوبهم. لكن لم يكن لهم من بد سوى أن يكملوا رحلتهم، فواصلوا في المشي عبر الطريق ذي الأحجار الصفراء، وكلهم يفكرون في أنفسهم؛ ما إذا كانوا سيعبرون تلك الغابة، ويرون ضوء النهار ثانية أم لا، وفوق تلك الحيرة زادت وحشتهم بسماعهم أصواتًا غريبة ومرعبة، تصدر من أعماق الغابة من حين لآخر، فهمس لهم الأسد قائلًا: “إن الكاليدا يعيشون هنا، في هذا الجزء من الغابة.” فسألت الفتاة: “وما هم الكاليدا؟” فأجابها الأسد: “إنهم وحوش مفترسة برؤوس النمور وأجساد الدببة، ولها مخالب طويلة وحادة للغاية، لدرجة أنها تقدر على شقي نصفين بكل سهولة، تمامًا كما أستطيع أن أمزق توتو المسكين بأنيابي. إنّي ارتعد خوفا الآن.” قالت الفتاة: “هذا ليس بغريب عليك على كل حال، لكن من وصفك لها يبدو فعلا أنها وحوش مرعبة.” وكان الأسد على وشك الرد بينما انتهى بهم الطريق إلى واد يقطع عليهم المرور. ولكن هذه المرة لن يستطيع الأسد أن يعبر بهم هذا الوادي الشاسع والعميق. فجلس الرفاق يفكرون ويتدبرون أمرهم، فقال خيال الفزّاعة: “أنظروا هنالك صوب تلك الشجرة العالية المنتصبة على مشرفة الوادي السحيق، لو استطاع الحطّاب أن يضربها بضربة فأس فتسقط على الجانب الآخر ونعبر فوقها.” فقال الأسد: “يا لها من فكرة عظيمة، إني لأشك أن لك عقلًا كباقي العقول عوضّا عن القش.” فأخذ الحطّاب الصفيح يقطع الشجرة بفأسه الحادة، فانتهى من الأمر بسرعة، ثم قام الأسد بدفعها بقدميه الأماميتين بقوة، فسقطت على الجانب الآخر محدثة دويًا هائلًا، وراح المغامرون يعبرونها كما يعبرون الجسر. وبينما هم يعبرون الوادي سمعوا زمجرة عالية، فنظروا ليجدوا وحشين كبيرين برأسي نمر وجسم دب، يركضان نحوهم. قال الأسد وهو يرتعد: “إنهم بالتأكيد وحوش الكاليدا.”

فقال خيال الفزّاعة: “هيا لنسرع، دعونا نعبر الجسر.” عبرت الفتاة وتوتو بين ذراعيها، وخلفها الحطّاب ووراءه خيال الفزّاعة، أمّا الأسد ورغم أنه كان خائفًا إلا أنه استدار لمواجهة هذه الوحوش المرعبة، فزأر بصوت عالٍ ومخيف، جعل الفتاة تصرخ من الرعب بينما سقط الفزاعة إلى الخلف. لوهلة وقف الوحشان للحظة وقد سيطر عليهما الذهول والخوف من الأسد، لكن ما شجعهما هو أنهما أكبر حجما وعددا، فانطلقا مسرعين نحوه، مما جعل الأسد يفر نحو الجسر وعبره بسرعة ووقف لينظر ماذا سيفعلان. تردد الوحشان قليلا ثم قررا اللحاق بالجميع عبر عبور الجسر. فقال الأسد للفتاة: “انتهى أمرنا، سيمزقاننا إربا. لكن ما دمت على قيد الحياة فسأقاتلهما حتى النهاية، قفي بالقرب مني.” فصاح خيال الفزّاعة قائلًا: “انتظر!” وقد كان مستغرقًا في التفكير في أفضل حل قد يخرجهم من هذا المأزق، فطلب من الحطّاب أن يقطع الشجرة من ناحيتهم فتسقط بالوحشين في الوادي، فأخذ الحطّاب يقطع الشجرة بفأسه في الحال، وقبل أن يصل إليهم الوحشان سقطت الشجرة بهم في الوادي السحيق، وارتطم الوحشان بالصخور الحادة التي قطعتهما إربا. تنفس الأسد الصعداء وقال: “ما زال في العمر بقية. أنا سعيد لأحيا مجددًا، كم هو مزعج للغاية ألا يشرف المرء على الموت، لقد أصابني الذعر وأخذ مني مأخذا. إن قلبي يخفق بقوة. فقطع الحطّاب حديثه وقال في متحسرًا: ” آهٍ لو كان لي قلبًا يخفق.”
كل ما مرّ على أبطالنا الشجعان جعلهم أكثر رغبة من ذي قبل في الخروج من هذه الغابة المرعبة، فسارعوا الحثى سعيا لبلوغ المنتهى في أسرع وقت حتى شعرت الفتاة بالتعب فامتطت الأسد. رويدا رويدا أخذت الأشجار تقل وتبعد كلما تقدموا، وبحلول الظهر كانوا قد مروا بنهر عظيم، وأمامهم على الجانب الآخر من النهر طريق الأحجار الصفراء يتخلل جنّة بها مروج خضراء مرقطة بالزهور المبهجة وتحف الطريق أشجار تتدلى منها الثمار اليانعة، فسرّهم هذا المنظر الجميل. فتساءلت الفتاة: “كيف سنعبر هذا النهر إذن؟”
رد خيال الفزّاعة: “هذا سهل للغاية، سيصنع لنا الحطّاب قاربًا نعبر به النهر.”
أخذ الحطّاب فأسه الحادة وراح يقطع الأشجار الصغيرة ليصنع القارب، وبينما هو منهمك في عمله وجد خيال الفزّاعة على ضفاف النهر شجرة عامرة بالثمار الناضجة اليانعة، فراح يجمع منها ما لذّ وطاب ويقدمه للفتاة التي لم تأكل شيئًا طوال اليوم سوى الجوز، فسعدت جدًا بتلك الثمار، وأكلت منها حتى شبعت. وبما أنّ صناعة القارب ستأخذ بعض الوقت، حتى لو كان الصانع لا يكل ولا يمل كالحطّاب الصفيح، فقد حلّ الظلام قبل أنْ يدركوا ذلك وأوى المغامرون إلى شجرة ضخمة ليناموا تحتها حتى الصباح، فنامت دوروثي وحلمت بمدينة الزمرد وبأوز العظيم الطيب الذي سيعيدها إلى قريبًا إلى وطنها.
الفصل 8: أرض الخشخاش المميتة
استيقظ المغامرون ونفوسهم مفعمة بالأمل، وتناولت أميرتنا فطورها الملكي من ثمرات البرقوق والخوخ، التي قطفها الفزّاعة من الأشجار التي على ضفاف النهر، ومن خلفها الغابة المظلمة التي عبروها بسلام آمنين، وأمامها بلاد جميلة تبشر باقتراب مدينة الزمرد، ولا يفصل بينهم وبين تلك البلاد إلا النهر.
وها هو الحطّاب قد أوشك أن ينتهي من صناعة القارب، فقد قام بتقطيع بضعة ألواح وثبتها معًا وأصبح القارب جاهزًا ليخوض بهم غمار المياه. تقدمت الفتاة وجلست في وسط القارب وبين ذراعيها توتو الصغير، ثمّ تقدم الأسد وما أن وطئ القارب حتى مال بسبب حجمه الكبير، لكن الحطّاب وخيال الفزّاعة وقفا في الجهة الثانية فاتزن القارب وكان مع كل واحد منهم عصا ليدفعا بها القارب، وخاضوا في النهر مندفعين بالأمل. كانت الأمور على ما يرام وتسير بشكل جيد حتى جرفهم التيار وأخذ القارب يبتعد عن طريقهم ودخلوا في عمق النهر، حتى ما كادت العصا تصل إلا القاع، وفقدوا السيطرة على قاربهم.
فقال الحطّاب: “هذا سيئ؛ إن لم نصل إلى اليابسة، سيحملنا النهر إلى ساحرة الغرب وتسحرنا، ونصبح عبيدًا لها.”
فقال خيال الفزّاعة: “لن أحصل حينها على عقل.”
وقال الأسد: “ولن أًنال الشجاعة.”
وقال الحطّاب: “ولن أحصل على قلب.”
وقال دوروثي: “ولن أعود إلى كانساس أبدا.”
فقال خيال الفزّاعة وهو يدفع بعصاه قاع النهر: “لا بد أن نحاول ما استطعنا، علينا أن نصل إلى مدينة الزمرد مهما كلف الأمر.” وهو بصدد التجذيف علقت عصاه في قاع النهر وعلق بها، وجرف التيار القارب وابتعد عنه قبل أن يستطيع أحدهم أن ينقذه، فنظر إليهم وهو عاجز عن اللحاق بهم بعد أن حوصر في وسط النهر وهتف قائلًا: “إلى اللقاء يا رفاق.” نظر الرفاق إليه في حزن شديد ولا يعرفون ما يمكنهم فعله، وبكى الحطّاب، لكن سرعان ما تذكر أن فكه سيصدأ لو استمر، فمسح عينيه في طرف رداء الفتاة.
حدّث خيال الفزّاعة نفسه قائلًا: “ما هذا الذي حدث؟ أنا الآن معلق على خشبة في وسط هذا النهر الجاري، في الماضي كنت معلقًا في حقل صانعي لأخيف الطيور، أما الآن فأنا معلق بلا هدف ولا أخيف أحدا، وليس لي من فائدة على الإطلاق، وبعد كل ما مررت به لم أحصل عل العقل الذي أبغيه.”
قال الأسد: “لا بد أن نفعل شيئًا؛ أظن أنني أستطيع السباحة إلى الشاطئ وأسحب القارب إن أمسكتم بذيلي.” فقفز إلى الماء وأمسك الحطاب بذيله، وراح الأسد يسبح بكل قوته نحو الشاطئ، وبعد مجهود شاق من الأسد خرجوا أخيرًا من التيار، وأخذت الفتاة العصا من الحطّاب وساعدت في دفع القارب نحو الشاطئ، استطاعوا أخيرا الوصول إلى الشاطئ ووطئت أقدامهم العشب الأخضر بعد أن ظنوا أنهم غير بالغيه. أصابهم التعب الشديد فجلسوا ليأخذوا قسطًا من الراحة واستلقى الأسد تحت أشعة الشمس ليجفف جسده الهائل وبينما هم يستريحون نظروا فوجدوا أنهم ابتعدوا عن طريق الحجارة الصفراء الذي يقود إلى مدينة الزمرد.
قال الحطّاب: “ماذا سنفعل الآن؟”
قالت الفتاة: “علينا أن نعود إلى طريقنا بأيّ شكل كان.”
فقال الأسد: “لعل من الأفضل أن نسير على طول ضفاف النهر حتى نعود إلى الطريق ثانية.”
انطلق الرفاق مجددا بعد أن نالوا قسطًا من الراحة ليكملوا رحلتهم، وكانت البلاد في غاية الجمال؛ فالشمس ساطعة والأزهار والأشجار في كل مكان، ولولا حزنهم على خيال الفزّاعة لكانت تلك اللحظات من أسعد الأوقات.
توقفت الفتاة لتقطف زهرة جميلة، بينما صاح الحطّاب: “انظروا.”
فانتبه الرفاق ونظروا فوجدوا خيال الفزّاعة المسكين معلقًا على العصا في وسط الماء، حزينًا ووحيدًا.
فسألت الفتاة: “ماذا يمكننا فعله لننقذه.”
فهزّ الأسد والحطّاب رأسيهما في حيرة، وجلسوا على ضفة النهر محدقين في خيال الفزّاعة ملؤهم الحزن، وبينما هم يفكرون في أمرهم كان يحلق حولهم طائر اللقلق ونزل ليستريح عند حافة النهر.
فسألهم: “من أنتم وإلى أين تذهبون؟”
فأجابته الفتاة: “أنا دوروثي وهذان صديقاي الأسد الجبان والحطّاب الصفيح، ونحن قاصدون مدينة الزمرد.”
فقال اللقلق وهو يهز عنقه الطويل ويمعن النظر في فريق المغامرين: “لكن هذا ليس طريق مدينة الزمرد.”
أجابته الفتاة: “نعلم ذلك، لكننا فقدنا صديقنا خيال الفزّاعة ولا نعرف كيف ننقذه.”
سأل اللقلق: “أين هو؟”
فردت الفتاة: “هناك في وسط النهر.”
فقال اللقلق: “إن لم يكن ثقيلا فيمكنني حمله وإحضاره.”
فقالت الفتاة بلهفة: “هلا فعلت رجاء، إنه خفيف جدًا، لأنه محشو بالقش. ليتك تذهب وتعيده لنا، سيكون ذلك معروفًا عظيمًا، ولنكونَنَّ من الشاكرين.”
قال اللّقْلق: “حسنًا، سأذهب وأحوال ذلك، لكن إن وجدته ثقيلًا سألقيه في النهر.”
حلق اللقلق في الهواء وذهب إلى خيال الفزّاعة وحمله بمخالبه، وعاد به إلى الفريق. بعد أن التقى خيال الفزّاعة برفاقه الذي ظنّ كل الظنون بأنه لن يراهم مجددا دبَّ الأمل فيه من جديد وغمرته السعادة فراح يعانقهم ويغني ويترنم في كل خطوة بعد أن أكملوا طريقهم.
وقال: “كنت أخشى أنْ أظل بقية عمري معلقًا في وسط النهر، لكن هذا اللقلق الطيب أنقذني، يومًا ما سأحصل على عقل وسأعثر عليه لأرد له المعروف.”
فقال اللقلق: “لا عليك، أنا أحب مساعدة هؤلاء الذين يقعون في المتاعب، لكن علي أن أذهب الآن، فصغاري ينتظروني في العش، أتمنوا أن تصلوا إلى مدينة الزمرد بسلام.” وطار بعيدًا وغاب عن الأنظار.
أكمل الرفاق رحلتهم وهم يتأملون في جمال الأزهار والأشجار ويستمعون إلى غناء الطيور وهي تترنم. الزهور كثيفة وتغطي الأرض بمختلف الألوان، الصفراء والزرقاء والبيضاء والأرجوانية، بل حتى زهور الخشخاش القرمزي التي أسرت دوروثي بجمالها كانت تتمايل ببهاء آسر.
سألت الفتاة وهي تشم رائحتها النفّاذة: “أليست في منتهى الجمال؟”
فقال خيال الفزّاعة: “لو كان لي عقلٌ لتمعنت أكثر في جمالها بلا شك.”
وقال الحطّاب: “لو كان لشعرت بجمالها أكثر.”
وقال الأسد: “لطالما أحببت الزهور، فهي تبدو ضعيفة وعاجزة، لكن أبدًا ما رأيت زهورًا فاقع لونها كهذه.”
تقدم الرفاق وسط الأزهار القرمزية وباقي الأزهار الأخرى وأصبحوا محاطين بزهور الخشخاش من كل ناحية. ولكن هذه الزهور رائحتها نفاذة وقوية وتجعل من يستنشقها يغط في النوم إلى الأبد. لم تكن دوروثي تعرف شيئا عن ذلك. وبدأت عيناها تثقل شيئا فشيئا وشعرت برغبة ملحة في الجلوس لتستريح، لكن الحطاب لم يسمح لها بذلك، وقال: “لا بد أن نصل إلى طريق الأحجار الصفراء قبل حلول الظلام.” وافقه الفزّاعة الذي دفع الجميع إلى الهرولة مسرعين، حتى لم تعد الفتاة قادرة على الوقوف على قدميها من الإعياء وبدأت عيناها تغمضان رغمًا عنها، وفقدت الوعي وسقطت طريحة الأزهار.

سأل الحطّاب: “ماذا سنفعل؟” فقال الأسد: “ستموت إن تركناها هنا، رائحة الأزهار تقتلنا جميعًا، إنني بالكاد أفتح عيني أيضا، أما الكلب قد نام بالفعل.” في الأثناء قد نام توتو إلى جوار صديقته، أما خيال الفزّاعة والحطّاب لم تزعجهما الرائحة لأنها ليسا من لحم ودم، فقال خيال الفزّاعة للأسد: “اجر بسرعة واخرج من وسط هذه الزهور القاتلة بسرعة، اما نحن فسنحضر الفتاة معنا، ولكن إن غفوة أنت فلا أحد يقدر على حملك.”

نهض الأسد ووثب بسرعة واختفى عن الأنظار، وقال الفزّاعة: “لنصنع بأيدينا مقعدًا ونحمل الفتاة.” فحملا توتو ووضعاه في حجر الفتاة وحملاهما معا وسارا بين الأزهار. لقد كانت أرض الخشخاش واسعة وكبيرة وظنوا أنهم لن يخرجوا منها أبدًا.
واصلا السير حذو النهر ووجدا الأسد مستلقيًا قبل نهاية الحقل بمسافة صغيرة، لقد استسلم ووقع، قال الحطّاب: “لن نقدر على حمله، علينا أن نتركه هنا نائمًا إلى الأبد، لعله يحلم الآن أنه حصل على الشجاعة أخيرًا.”
قال خيال الفزّاعة: “آسف. لقد كان الأسد رفيقًا طيبًا. لكن علينا أن نواصل السير.”
حملا الفتاة إلى جانب النهر، في أرض جميلة وخضراء بعيدًا عن أرض الخشخاش، حتى لا تستنشق مزيدًا من رائحته المميتة، ويوقظها الهواء الطلق.
الفصل 9: ملكة الفئران
قال خيال الفزّاعة: “أظن أننا اقتربنا من طريق الحجارة الصفراء، لقد مشينا بنفس القدر الذي أبعدنا عنه النهر.”
كاد الحطّاب أن يرد إلا أنه سمع صوتًا خفيفًا، فانتبه وأدار رأسه ليرى حيوانًا غريبًا يثب فوق العشب ويركض نحوهم، إنه قط بري كبير أصفر اللون، ويبدو من سرعته وعينيه التي تلمع ككرة اللهب وفمه المفتوح وأنيابه الحادة المصطفّة أنه يطارد شيء ما، وبالفعل لمح الحطّاب فأرة رمادية صغيرة تجري أمامه. رغم أن الحطّاب لا قلب له، إلا أنه استقبح أن يقتل هذا القط البري الكبير تلك الفأرة الصغيرة الضعيفة المسكينة، فرفع فأسه وضرب القط ضربة فصلت رأسه عن جسده.
وقفت الفأرة لتلتقط أنفاسها وقد أدركت أنها نجت من موت مؤكد، فتسلقت قدم الحّطاب واقتربت من رأسه
وقالت: “شكرًا لك! شكرَا جزيلًا لك! لقد أنقذت حياتي.”
فرد عليها الحطّاب وقال: “لم أفعل شيئًا يُذكر، لا داعي للشكر. كما ترين أنا كائن بلا قلب، لذلك أحرص على مساعدة أي أحد يحتاج إلى صديق، حتى وإن كان مجرد فأرة صغيرة.”
صاحت الفأرة في غضب قائلة: “مجرد فأرة! ويحك! أنا لست فأرة. أنا ملكة، أنا ملكة فئران الحقل.”
فقال الحطّاب وهو ينحني تحيةً لها: “آه، حقًا؟”
فقالت الفأرة: “وهذا يعني أنك فعلت شيئًا عظيمًا، بإنقاذك حياتي.” وفي تلك اللحظة ظهرت أعداد هائلة من الفئران جاءت تسعى من كل جهة، واجتمعوا حول الملكة وانحنوا جميعًا في تبجيل وتوقير، وقالوا في دهشة: “صاحبة الجلالة! أنتِ بخير؟ ظننا أنكِ ميتة لا محالة. كيف استطعتِ الهرب من القط البري الكبير؟”
أجابتهم الملكة قائلة: “لقد قتل هذا الرجل الصفيح الغريب القط وأنقذني من الموت المحتّم، لذا عليكم أن تردوا له المعروف، وتلبون كل رغباته مهما كانت.”
صاحت الفئران: “بالطبع، سنفعل كل ما يريده.”
فاستيقظ توتو من سباته ولما وجد نفسه محاط بجافل من الفئران راح يقفز وينبح مبتهجًا، وتذكر هوايته المفضلة التي كان يمارسها يوميًا في وطنه كانساس حيت كان يطارد الفئران، ففزعت الفئران وتفرقت في الأنحاء خوفًا من توتو. فأمسكه الحطّاب وحمله بين ذراعيه، وقال للفئران: “لا تخفن، لا تخفن، لن يؤذيكن توتو. فلتقتربن دونما خوف.”
فأخرجت الملكة رأسها من بين العشب وسألت في خوف: “هل أنت واثق أنه لن يؤذينا؟”
فقال الحطّاب: “لن أسمح له بذلك، لا تخافي يا صاحبة الجلالة.”
وبالفعل لم ينبح توتو ثانيةً لكنه كان يحاول أن يهرب من بين ذراعي الحطّاب وكان يفكر في عضه لولا أنه يعرف أن العضّ لن يؤثر في جسمه الصفيح. فعادت الفئران وقالت واحدة منهن، وكانت من أكبرهن: “حسنًا، هل ثمة ما نفعله لنرد لك الجميل، ونكافئك على إنقاذ حياة ملكتنا؟”
فقال الحطّاب: “على ما أظن ليس هناك ما أطلبه منكن.”
فقال خيال الفزّاعة والذي يبدو أنه كان يحاول التفكير في استغلال الموقف: “آه. نعم. يمكنكن إنقاذ صديقنا الأسد الجبان النائم في أرض الخشخاش.”
فصاحت الملكة: “أسد؟! حتمًا سيأكلنا جميعًا.”
فقال خيال الفزّاعة: “كلا، إنه أسد جبان.”
فقالت الملكة في استغراب: “حقًا؟ كيف هذا؟!”
رد عليها: “نعم، هو من يصف نفسه بهذا، لا تخافي يا صاحبة الجلالة، لن يؤذي أيًا منكن، وأعدكن بأنه سيعاملكن بلطفٍ إن ساعدتمونا في إنقاذه.”
فقالت الملكة: “حسنًا، إننا نثق بك، لكن ماذا يمكننا فعله؟”
فقال خيال الفزّاعة: “هل ثمة الكثير من الفئران اللائي يخضعن لسلطانك ويطعن أوامرك؟”
فأجابته الملكة: “نعم، الآلاف.”
فقال خيال الفزّاعة: “عظيم جدًا، إذًا أرسلي في طلبها لتحضر على وجه السرعة، واطلبي منهن أن تحضر كل واحدة حبلًا طويلًا.”
فاستدارت الملكة وأصدرت أوامرها، وأخبرت الفئران أن تذهب فورًا لطلب كل شعبها، فانطلقت الفئران في الحال بأقصى سرعة، وقال خيال الفزّاعة للحطّاب: “أما أنت فعليك أنت تذهب إلى ضفة النهر وتصنع من الأشجار عربة لنحمل الأسد عليها.”
فذهب الحطّاب في الحال وأخذ يقطع الأشجار، وبسرعة هائلة وبإتقان شديد صنع عربةً من جذوع الشجر ورفعها على أوتاد وصنع لها عجلات من فروع الشجر الصغيرة، ولما جاءت الفئران من كل حدب وصوب بأعداد مهولة من كل الأحجام؛ الكبير منها والصغير ومتوسط الحجم ومعها الحبال. في تلك اللحظة أفاقت دوروثي لترى مشهدًا عجيبًا وكأنها مازالت نائمة من أثر الخشخاش. لقد ظنت أنّ الخشخاش السام قد أصابها بهلاوس لتجد نفسها بين أعداد لا حصر لها من الفئران ممسكة حبال في فمها. سرعان ما شرح لها الفزّاعة الموقف وأخبرها بما حدث، والتفت إلى ملكة الفئران وقال: “اسمحي لي أن أعرفك على صاحبة الجلالة.

فأومأت الفتاة وحيت الملكة في وقار، فانحنت الملكة وحيت الفتاة بكل ود وبشاشة وعاملتها بكل لطف. وأخذ خيال الفزّاعة والحطّاب يربطان الحبال في العربة ويثبتانها في رقبة الفئران، وبالطبع كانت العربة ضخمة بالنسبة للفئران، لكن ما أن انتهيا من ربط العربة جرتها جيوش الفئران بكل سهولة، وجلس خيال الفزّاعة والحطّاب في العربة وانطلقت فرقة الإنقاذ العجيبة إلى حيث ينام الأسد.
وصلوا إلى مكان الأسد وبعد مجهود شاق استطاع خيال الفزّاعة والحطّاب حمل الأسد ووضعه على العربة، وفي الحال أصدرت الملكة أوامرها للفئران بالإسراع في الحركة، فكانت تخشى أن تغط الفئران في نومها، فتحركت الفئران وحاولت جر العربة وعليها الأسد الضخم، وبالكاد تحركت العربة، فدفع خيال الفزّاعة والحطاب العربة من الخلف وانطلقوا بثبات وسرعان ما فروا من أرض الخشخاش المميتة إلى الأرض الخضراء بنسيمها العليل، ليستنشق الأسد الهواء النقي بدلًا من رائحة الخشخاش السامة.
شكرت الفتاة الملكة وشعبها بحرارة على ما قدموه من عمل عظيم، وإنقاذهن صديقها من الموت، فقد أحبته وتعلقت به وما كانت لتتحمل فراقه.
فكت الفئران الحبال من رقابها وانطلقت مبتعدة في العشب إلى منازلها، وفي المؤخرة الملكة التي أرادت أن تودع هؤلاء الرفاق المغامرين قبل أن تغادر، فقالت: “إن احتجتم لنا في أيّ وقت اخرجوا إلى الحقول ونادوا علينا، سنسمعكم ونأتي لكم لنساعدكم في الحال، إلى اللقاء يا رفاق.” ودعها الرفاق كلهم، وانطلقت الملكة وجرت بعيدًا، وأمسكت الفتاة توتو بقوة حتى لا يجري خلفها ويخيفها، ثم جلس الرفاق إلى جوار الأسد حتى أفاق من غيبوبته وجلب خيال الفزّاعة بعض الثمار للفتاة فتناولت عشاءها في هدوء وسكينة بعد أن نجت هي ورفاقها من تلك المغامرة ونجوا جميعًا من هلاك محقق في أرض الخشاش المميتة.
الفصل 10: حارس البوابة
أخذ الأسد بعض الوقت حتى استيقظ، فالوقت الذي مكثه بين زهور الخشخاش لم يكن قليلًا، فكان لا بد من مرور بعض الوقت حتى يخرج أثر هذه الزهور من جسده.
فتح الأسد عينيه ونزل من العربة وبدا عليه السرور، فقد كُتِبَ له عمرٌ جديد. جلس وقال وهو يتثاءب: “لقد ركضت بأقصى سرعة ممكنة، لكن أثر الزهور غلبني على أمري. كيف استطعتم أن تخرجوني من تلك الأرض؟”
قصّوا عليه ما حدث، وأخبروه عما فعلته فئران الحقل لإنقاذه، فضحك الأسد وقال: “يا لهذه الدنيا، ويا للعجب. دائمًا كنت أتخيل أنني كبير، ثقيل، حتى قد هزمتني نباتات صغيرة وضعيفة كالأزهار، وأنقذتني مخلوقات أصغر كالفئران! على كل حال، ماذا سنفعل الآن يا رفاق؟ لا بد أن نواصل سيرنا حتى نجد طريق الحجارة الصفراء.”
فقالت الفتاة: “نعم، حتى يمكننا الوصول إلى مدينة الزمرد.”
انتعش الأسد واسترد قوته ثانية، وانطلق المغامرون من جديد في رحلتهم يقطعون حقول العشب الأخضر الجميل، وسريعًا ما وجدوا طريق الحجارة الصفراء، فابتهج الرفاق وسكنت نفوسهم، فقد كان الطريق مرصوفًا والأرض من حوله بهية ومريحة. شعروا بالأمان بعد أن تركوا تلك الغابة المظلمة الموحشة، وابتعدوا عنها وعن مخاطرها. إنّ الطريق الآن جميل ومريح وعلى جوانبه الأسوار لكنها هذه المرة ملونة باللون الأخضر. في الأثناء مرّوا ببيت صغير تبين أنه لمزارع ما وكان مطليًا باللون الأخضر، وبعد الظهيرة مروا بكثير من تلك البيوت وكان الناس يطلون من منازلهم في دهشة من فريق المغامرين الغريب هذا. كان الفضول يقتلهم واندفعوا لطرح مختلف الأسئلة، لكن خوفهم من الأسد منعهم من التقدم.
كان جميع هؤلاء الناس يرتدون ثيابًا بلون الزمرد الأخضر وعلى رؤوسهم قبعات مذببة تشبه قبعات الأقزام.
قالت الفتاة: “لا بد أنّ هذه بلاد أوز فقد اقتربنا من مدينة الزمرد.”
فقال خيال الفزّاعة: “نعم، فكلّ شيء هنا لونه أخضر، خلاف بلاد الأقزام التي كان يسيطر عليها اللون الأزرق، والناس هنا يبدوا أنهم غير ودودين، وأخشى ألا نجد مكانًا نبيت فيه الليلة.”
قالت الفتاة: “أود تناول أيّ شيء غير الفاكهة، كما أنني واثقة أن توتو يتضور جوعًا، لنتوقف عند المنزل القادم ونتحدث إلى أصحابه.”
وصلوا إلى بيت كبير به مزرعة، فتقدمت الفتاة بجرأة نحو الباب وقرعته، ففتحت لها امرأة ووقفت تنظر لها من بعيد ثم قالت: “ماذا تريدين أيتها الطفلة، ولماذا يتبعك هذا الأسد؟”
قالت الفتاة: “نود قضاء الليلة معكم، وهذا الأسد صديق لي، ولن يؤذيكم أبدًا.”
فتحت المرأة الباب قليلا وسألت في خوف: “هل أنت متأكدة؟ هل هو أليف؟”
فقالت دوروثي: “نعم، وهو جبان جدًا، إنه يخاف منك أكثر مما تخافين منه في الحقيقة.”
فكرّت المرأة ونظرت إلى الأسد ثم قالت: “إذا كان الأمر كذلك بوسعكم الدخول، وسأقدم لكم العشاء ومكانًا تبيتون فيه.”
دخلوا جميعا إلى المنزل، وكان به طفلان ورجل ساقه مجروحة ويستلقي على أريكة في الزاوية.
أثار منظر فرقة المغامرين العجيبة الدهشة في نفوس أهل البيت، وبينما كانت المرأة منهمكة في إعداد العشاء، سأل الرجل: “إلى أين أنتم ذاهبون؟”
قالت الفتاة: “إلى مدينة الزمرد؛ لنقابل أوز العظيم.”
فقال الرجل: “حقًا! هل أنتم واثقون أن أوز سيقابلكم؟”
ردت الفتاة: “ولم لا؟”
فقال الرجل: “ما سمعته أنه لا يسمح لأحد بلقائه، لقد ذهبت لمدينة الزمرد مرات عديدة، ولم يُسمح لي ولو لمرة واحدة بلقاء أوز العظيم، ولا أعرف أحدًا التقى به من قبل.”
سأل الفزّاعة: “ألا يخرج مطلقًا؟”
ردّ الرجل: “مطلقًا، إنه يجلس في غرفة العرش الكبير في قصره فحسب. حتّى أولئك الذين ينتظرون لقاءه لا يرونه وجهًا لوجه.”
سألت الفتاة: “وكيف يبدو؟”
قال الرجل: “من الصعب الإجابة عن هذا السؤال؛ أوز ساحر عظيم كما هو معروف، ويمكنه اتخاذ أيّ هيئة يريدها، يقول البعض أنه يشبه الطير، ويقول آخرون أنه يشبه الفيل، وقال غيرهم أنه يشبه القط، وظهر لآخرين كالجنية السمراء أو أي هيئة تروق له، ولا يعرف أحد متى يظهر أوز بهيئته الحقيقية.”
قالت الفتاة: “هذا غريب جدًا، لكن علينا أن نقابله بأيّ طريقة كانت، وإلا ذهبت رحلتنا سدى.”
فسأل الرجل: “ولم تودون مقابلة أوز العظيم؟”
قال الفزّاعة: “أريده أن يمنحني عقلًا.”
قال الرجل: “آه، هذا أمر في غاية السهولة.”
وقال الحطّاب: “وأنا أريده أن يمنحني قلبًا.”
قال الرجل: “هذا أيضًا لن يكلفه أيّ عناء، فلأوز مجموعة كبيرة من القلوب، من كلّ الأحجام والأشكال.”
قال الأسد الجبان: “وأنا أريده أن يمنحني الشجاعة.”
قال الرجل: “يحتفظ أوز بقدر كبير من الشجاعة في غرفة العرش، ويغطيها بغطاء من الذهب للحفاظ عليها من أن تسيل، ولعله سيكون مسرورًا لمنحك شيئًا منها.”
وقالت الفتاة: “وأنا أريده أن يعيدني إلى كانساس.”
فسألها الرجل: “وأين تقع كانساس تلك؟”
أجابت الفتاة بأسى: “لست أدري، لكنها وطني.”
فقال: “على كل حال، أوز يمكنه فعل أيّ شيء عموما، وأظن أنّ بوسعه العثور على كانساس هذه وإعادتك إليها، لكن عليكم أولًا أن تتمكنوا من مقابلته، وتلك هي المهمة الأصعب، لأن أوز لا يحب رؤية أحد، ولا يحب الظهور وله طرقه الخاصة التي يسلكها حتى لا يقابل الناس.” ثم توجه الرجل لتوتو وقال: “لكن ماذا عنك أنت؟”
اكتفى السيد توتو بهز ذيله، وبالطبع أثار ذلك استغراب الرجل، فالصفيح ينطق والقش يتحدث، فلم لا يتحدث هذا الكلب.
نادت عليهم المرأة وأخبرتهم أنّ العشاء جاهز فاجتمعوا حول المائدة. لقد أعدت مائدة شهية رغم بساطتها، فأكلت الفتاة بعض العصيدة وطبقًا من البيض مع الخبز الأبيض اللذيذ، وكانت مستمتعة بكل لقمة أكلتها، فقد اشتاقت لمائدة تذكرها بمائدة العشاء في بيتها في كانساس.
أما عن الأسد فقد أكل بعضًا من العصيدة وبالطبع لم تعجبه، فقال: “إنها معدة من الشعير، والشعير طعام الخيل لا الأسود.”
أمّا عن توتو فقد مرَّ بكلِّ أصناف المائدة وأكل القليل من كلّ شيء، وكان في غاية السعادة. وبالطبع فإنّ الفزّاعة والرجل الصفيح لما يأكلا أيّ شيء على الإطلاق.

أعدت المرأة الفراش للفتاة لتنام، وبجوارها نام توتو، ووقف الأسد على الباب ليحرس رفيقته حتى لا يزعجها أحد، ووقف خيال الفزّاعة والحطّاب في الزاوية وانتظرا الصباح في هدوء.
ما إن طلعت الشمس حتى انطلق المغامرون في طريقهم، وقد انتبهوا لبريقٍ في السماء.
قالت الفتاة: ” لا بد أن هذه مدينة الزمرد.”
كلما اقترب الرفاق كان يزيد البريق الأخضر، وبدا أنهم قد اقتربوا من الوصول إلى مرادهم وقد اقتربت نهاية مغامرتهم.
وصل الرفاق بعد الظهيرة ليجدوا أنفسهم أمام سور هائل يحيط بالمدينة، كان السور ضخمًا ولونه أخضر فاقع، وفي نهاية طريق الحجارة الصفراء بوابة ضخمة ومرصعة بأحجار الزمرد التي تتلألأ في ضوء الشمس، وتدهش كل من ينظر إليها بتمعن سواء كانا عينان حقيقيّتان أو مرسومتان كعينا الفزّاعة.
ضغطت الفتاة على زر الجرس الذي بجوار البوابة لتسمع صوتًا يشبه طنين الفضة، وفُتحت البوابة ببطء، ودخل المغامرون فوجدوا أنفسهم في غرفة ذات قباب عالية، رُصّعت جدرانها بأحجار لا تحصى من الزمرد.
اعترض طريقهم رجل قصير في حجم الأقزام تقريبًا، ويغطيه الأخضر من رأسه حتى أخمص قدميه، حتى بشرته كانت تشع لونًا أخضرًا، وبجواره صندوق أخضر أيضًا.
انتبه الرجل لفرقة المغامرين فسألهم: “ماذا تريدون من مدينة الزمرد؟”
فقالت دوروثي: “أتينا لنقابل أوز العظيم.”
دُهش الرجل لسماع هذا، حتى أنه جلس ليفكر في الأمر، وحدث نفسه قائلًا: “لسنوات عديدة لم أسمع هذه الجملة.”
ثم قال وهو يهز رأسه في حيرة: “الويل لكم إن جئتم لتسألوه في أمور تافهة، أوز جاد وحازم وغضبه مدمر، وإن أغضبتموه سيدمركم في لحظة.”
قال خيال الفزّاعة: “ما جئناه لنسأله في أمور تافهة، لكل منا مطلب جلل تتوقف عليه حياته، وقد قيل لنا أنّ أوز العظيم ساحر طيب.”
فقال الرجل: “إنه كذلك، ويحكم مدينة الزمرد بحكمة وحسن تدبير، لكنه يكره اللئام والمتطفلين، وقليلون من تجرؤوا على طلب مقابلته. على كل حال أنا حارس البوابة وما دمتم تطلبون رؤية أوز العظيم علي اصطحابكم إلى قصره، لكن عليكم أولًا أن تضعوا النظارات.”
سألت الفتاة: “لماذا؟”
فقال الرجل: “حتى لا يعميكم بريق مدينة الزمرد وتفتنكم عظمتها، فحتى أهل مدينة الزمرد لا يخلعون نظاراتهم لا في النهار ولا في الليل، كما أنّه ما إن وضعتها ستقفل حول رأسك ولا يمكن خلعها البتة، لأن أوز أمر بذلك منذ بداية تأسيس المدينة، وأنا وحدي أملك مفتاحها.”
فتح الرجل الصندوق الكبير، ورأت الفتاة نظارات لا حصر لها من كلّ الأشكال والأحجام، وكلها ذات عدسات خضراء.
التقط الحارس نظارة تلائم الفتاة ووضعها على عينيها وثبتها حول رأسها برابطتين ذهبيتين وأقفلها بمفتاح صغير كان يعلقه في عنقه.
وضع الرجل الصفيح وخيال الفزّاعة والأسد نظاراتهم وحتى توتو الذي لا حول له ولا قوة ولا يعرف ماذا أتى به إلى هنا، وأين الطيور والسناجب التي كان يطاردها صبيحة كل يوم، وما هذا الذي يجري في العالم، وضعوا له نظّارات حول رأسه الصغير فلم يكن يملك من الأمر شيئا.
وفي الأخير وضع الحارس نظارته وأخبرهم أنه مستعد الآن أن يدلهم على طريق القصر. فتح الحارس بوابة أخرى بعد أن أخذ مفتاحًا ذهبيًا كبيرًا، كان معلقًا على الحائط، ليشهدوا بأعينهم عظمة مدينة الزمرد!
الفصل 11: مدينة أوز العجيبة
شعرت الفتاة ورفاقها بالدوار من بريق المدينة العجيبة على الرغم من ارتدائهم النظارات، كان الجمال يعم الأرجاء؛ فبيوت المدينة كانت كلها مبنية بالرخام الأخضر ومرصعة بالزمرد البرّاق، وحتى أماكن التقاء الحجارة كانت مرصعة بالزمرد الذي يتلألأ مع نور الشمس الساطع.
اللون الأخضر في كلّ مكان في المدينة، أما عن ألواح الزجاج فقد كانت خضراء كالعشب وكذا السماء والشمس ولأشعتها. لقد كان كل شيء يشع اخضرارا.
كانت شوارع المدينة عامرة، والرجال والنساء والأطفال يتجولون في ثيابهم الخضراء، وبالطبع استغرب أهل المدينة من منظر فريق المغامرين بأشكالهم وألوانهم الغريبة، حتى أنّ الأطفال كانوا يختبئون خلف أمهاتهم خوفًا من الأسد، لكن ما من أحد توجه لهم بأيّ حديث.
كانت دوروثي تشاهد المدينة ولاحظت أنّ كلّ شيء كان تقريبا ذا لون أخضر، فالمتاجر لونها أخضر وحتى الحلوى، والفشار والأحذية، والقبعات والثياب، وعصير الليمون، حتى أنّ الأطفال كانوا يدفعون عملات لونها أخضر.
لاحظت الفتاة أنه لا خيول ولا حيوانات هنا؛ فأهل المدينة يحملون أمتعتهم في عربات خضراء ويدفعونها أمامهم، وبدى الجميع سعداء وراضين ويعيشون في هناء وراحة بال.
مشي المغامرون مع حارس البوابة في الشوارع حتى وصلوا إلى مبنى كبير، يقع في وسط المدينة، إنه قصر أوز العظيم.
على الباب يقف جندي ذو لحية خضراء طويلة ويرتدي بزة خضراء.
قال حارس البوابة للجندي: “هؤلاء غرباء، ويطلبون رؤية أوز العظيم.”
رد الجندي: “تفضلوا بالدخول وسأنقل رسالتكم له.”
عبر المغامرون بوابة القصر ودخلوا غرفة كبيرة مفروشة بسجادة خضراء وأثاث أخضر مزخرف بالزمرد.
طلب منهم الجندي أنْ يمسحوا أقدامهم في سجادة خضراء قبل أن يدخلوا تلك الغرفة، وقال لهم بأسلوب مهذب: “ارتاحوا هنا إلى أن أذهب إلى أوز العظيم وأخبره بشأنكم.”
انتظر الرفاق الحالمون لوقت طويل وأخيرًا عاد الجندي، فسألته الفتاة: “هل قابلت أوز؟”
أجاب الجندي: “في الحقيقة لم أستطع مقابلته اليوم، لكن تحدثت إليه من وراء حجاب وأوصلت إليه رسالتكم، وقال إنه قبل طلبكم وسيصغي إليكم، لكن سيستمع لكل واحدٍ منكم على حدة، وسيسمح بلقاء شخص واحد في اليوم والليلة، وهذا يعني أن عليكم البقاء في القصر لبضعة أيام. لذا سآخذكم إلى غرفكم لتنفضوا عن أنفسكم وعثاء السفر.”
ردت دوروثي: “شكرًا لك. هذا كرم بالغ من السيد أوز العظيم.”
التقط الجندي صافرته الخضراء ونفخ فيها، فدخلت شابة جميلة، ذات شعر أخضر ناعم وعينين خضراوين، وترتدي فستانًا من الحرير الأخضر وقالت لدوروثي: “اتبعيني لأوصلك إلى غرفتك رجاء.”
ودّعت الفتاة رفاقها إلا توتو، وتبعت الفتاة الجميلة حاملة توتو بين ذراعيها، وعبرت سبع ممرات وصعدت ثلاث طوابق إلى أن وصلت إلى غرفتها في مقدمة القصر.
كانت الغرفة التي رأتها من أجمل الغرف في العالم، فيها فراش وثير ومريح ملاياته من الحرير الأخضر ولحافه من القطيفة الخضراء، وفي وسط الغرفة نافورة صغيرة تطلق رذاذًا من العطر الأخضر الذي يتطاير في الهواء ثم يسقط على حوض من الرخام الأخضر المزخرف بنقوش رائعة.
وفي النافذة وضعت زهور خضراء جميلة، ورف عليه صفوف من الكتب الخضراء، وما أن سنحت الفرصة التقطت دوروثي واحدًا منها وفتحته لتجده مليئًا بالرسومات الخضراء الطريفة، وقد أعجبت الفتاة بها وراحت تضحك عليها.
كانت هناك خزانة للملابس فيها الكثير من الفساتين الخضراء المصنوعة من الحرير والساتان والقطيفة وكلها تناسب دوروثي. قالت الفتاة الجميلة لدورورثي: “خذي راحتك وتصرفي كأنك في بيتك. وإن احتجتِ أيّ شيء رني هذا الجرس من فضلك. وغدًا في الصباح سيرسل لك أوز العظيم ليقابلك.”
تركت دوروثي وحدها وعادت إلى باقي الفريق وأخذتهم إلى غرفهم، ليجد كل واحد منهم نفسه في مكان بهيج من القصر. طبعا لقد ضاع كل هذا البذخ في حقّ الفزّاعة، لأنه حينما وجد نفسه في غرفته وحيدًا، كعادته اتخذ زاوية ووقف فيها لينتظر حتى الصباح، ولم يؤنسه إلا مراقبة عنكبوت كانت تنسج بيتها غير آبهة بالقصر وصاحبه ولا بالغرفة الرائعة وراحت تنسج بيتها بصبر وبهدوء.
أما الحطّاب الصفيح فاستلقى على السرير بدافع العادة، لأنه تذكر حينما كان مخلوقًا من لحمٍ ودمٍ وكان ينام، ولأنه لا يقدر على النوم الآن راح يتسلى في تحريك مفاصله ليتأكد أنها تعمل بشكل جيد.
أما الأسد فلا يعجبه إلا افتراش أوراق الشجر الجافة في الغابة، ولا يعجبه أنه يُحبس في غرفة كهذه، لكنه كان عاقلًا جدًا ولم يكترث كثيرا بذلك ولم يجعل هذه الأجواء تزعجه ووثب على السرير وتقلب فيه كالقطط وغط في نومه في الحال.
في اليوم التالي، بعد أن تناولت دوروثي الإفطار، جاءت الفتاة الخضراء الجميلة لتأخذها، وألبستها واحدًا من أجمل الفساتين المصنوعة من الساتان الأخضر المقصب.
ارتدت دوروثي مئزرًا حريريًا أخضرا وعقدت شريطًا أخضرا حول عنق توتو، وساروا نحو غرفة عرش أوز العظيم. دخلوا أولًا إلى قاعة كبيرة كان فيها الكثير من السيدات والسادة، كلهم يرتدون ملابسًا فخمة. لم يكن لهؤلاء أيّ عمل إلا الحديث لبعضهم البعض، وكانوا يحضرون كل صباح لينتظروا خارج غرفة العرش، ومع ذلك لم يسمح لهم بلقاء أوز ولا مرة.
حين دخلت دوروثي نظروا إليها بفضول، وهمس أحدهم قائلًا: “هل ستنظرين إلى وجه أوز العظيم؟”
أجابت: “نعم، إن كان سيقبل بي.”
فقال الجندي: “نعم، لقد وافق على ذلك سلفا. رغما عن أنه لا يحب أن يطلب الناس رؤيته. في الحقيقة لقد كان غاضبًا بادئ الأمر، لما أخبرته بشأنك أنت ورفاقك، وأمرني أن أعيدك إلى حيث أتيتِ. ثم سألني كيف تبدين، وحين ذكرت له حذاءك الفضي، أثار ذلك اهتمامه، ولما أخبرته بتلك العلامة التي على جبينك، قرر السماح لك بلقائه.”
في تلك اللحظة، رنّ الجرس فقالت الفتاة الخضراء لدوروثي: “هذه هي الإشارة. عليك أن تدخلي غرفة العرش وحدك.” وفتحت بابًا صغيرًا، دخلته دوروثي بشجاعة فوجدت نفسها في مكان عجيب، كانت غرفة كبيرة دائرية وسقفها عال ومقوس، وكانت الأرضية والجدران والسقف مغطاة بأحجار الزمرد الكبيرة، المرصوصة بجمال وإتقان. ويتدلى من السقف مصباح كبير، نوره كالشمس، حيث جعل أحجار الزمرد تتلألأ في منظر بديع. لكن أكثر ما أثار اهتمامها كان العرش العظيم، المصنوع من الرخام الأخضر والمستقر في وسط الغرفة، كان على شكل كرسي مرصع بالجواهر، وفي وسطه رأسٌ كبيرٌ بلا جسد يحمله ولا ذراعين أو ساقين أو أي شيء آخر. كان الرأس أصلعًا وله عينان وأنف وفم وكان كبيرًا يفوق حجمه رأس أضخم العمالقة.

حدّقت الفتاة مطوّلا في هذا العجب، واستدارت عيناها ببطء تتمعن تفاصيل المكان ثم وقعت عيناها على عينا هذا الرأس الضخم فتمعنتها بحدة وثبات، فتحرك الفم لتسمع الفتاة صوتًا يقول: “أنا أوز العظيم الرهيب. من أنتِ وما الذي أتى بكِ إلى هنا، ولم طلبتِ مقابلتي؟”
لم يكن الصوت مخيفًا كما توقعت الفتاة، فاستجمعت شجاعتها وأجابت: “أنا دوروثي الصغيرة الوديعة. جئت إليك لأطلب مساعدتك.”
حدّقت العينان فيها لدقيقة كاملة، ثم عاد هذا الصوت ليقول: “من أين لكِ هذا الحذاء؟”
قالت الفتاة: “أخذته من ساحرة الشرق الشريرة بعد أن سقط عليها بيتي وماتت.”
فقال: “ومن أين حصلتِ على تلك العلامة التي في جبينك؟”
فقالت الفتاة: “هذا مكان القبلة التي منحتني إياها ساحرة الشمال الطيبة حين ودّعتني وأرسلتني لك.”
عادت العينان لتحدق بها مرة أخرى، ليتأكد أوز أنّ الفتاة لا تقول إلا الحقيقة.
فسألها: “ما الذي تريدينه مني؟”
فقالت الفتاة بلهفة: ” هلا أعدتني إلى كانساس، حيث تعيش العمة إيم والعم هنري. أنا لا أحب بلادكم رغم أنها فائقة الجمال، وأنا واثقة أنّ العمة إيم قلقة بشدة لغيابي كلّ هذا الوقت.”
غمزت العينان ثلاث مرات ثم التفتتا نحو السقف وإلى الأرضية ثم دارتا على نحو غريب وكأنهما تفتشان في كلّ جزء في الغرفة، وفي النهاية نظرتا إلى الفتاة، وقال أوز: “ولمَ علي فعل ذلك من أجلكِ؟”
فقالت الفتاة: “لأنك ساحر عظيم وأنا لست إلا فتاة صغيرة، لا حول لي ولا قوة.”
فقال أوز: “لكنك قوية بقدر كان كافيًا لقتل ساحرة الشرق الشريرة.”
قالت الفتاة المسكينة: “حدث هذا دون قصد، ولم يكن بوسعي منعه.”
فقال أوز: “فلتعلمي أيتها الفتاة، أنه لا ينبغي لك أن تنتظري مني أن أعينك على العودة إلى ديارك إلا بعد أن تؤدي لي جزاءً وافيًا. فإن شرعة هذه الأرض تقتضي ألا ينال المرء شيئًا إلا بعد أن يقدم ثمنه عدلًا. فإن كنت راغبة في أن أغيثك وأستجلب لك من خواصي السحرية ما يعيدك إلى موطنك الأصلي، فلا بد أن تفي لي بمقابل ذلك. ساعديني أساعدك، وخذي بيدي آخذ بيدك. فبمقدار ما تضعينه من جهد في مساعدتي، سأكافئك بالمثل وأبذل كل ما أوتيت.”
فقالت: “وما الذي عليّ فعله إذًا؟”
قال أوز: “اقتلي ساحرة الغرب الشريرة.”
صُعقت الفتاة المسكينة وقالت في ذهول: “قطعا لا أقدر على ذلك.”
فقال أوز: “لقد أزهقتِ روح ساحرة الشرق الأثيمة، وأصبح حذاؤها الفضي ملكًا لك الآن. وبذلك لم يتبقَ في رُبى هذه الديار سوى ساحرة شر واحدة. فإن أخبرتني بانقضاء أمرها على يديك، فسوف أعينك بقوى السحر التي أتمتع بها، وأعيدك إلى موطنك آنئذ. أما قبل ذلك، فلن أستطيع مساعدتك مهما ألحَّيتي في الطلب.”
أخذت الفتاة المسكينة تبكي، فقدت شعرت بخيبة أمل شديدة، وانقطع رجاءها في العودة إلى وطنها.
غمزت العينان ثانيةً ونظرتا إلى الفتاة في ريبة، وكأنما شعر أوز أن الفتاة بوسعها مساعدته لو أرادت.
وقالت الفتاة وهي تنشج: “لم أقتل يومًا عامدةً، وحتى إن أردت ذلك، كيف لي أن أقتل الساحرة الشريرة؟ إن كنت أنت أوز العظيم الرهيب، ولم تقدر عليها، فكيف لي أنا المسكينة أن أفعل ذلك؟ كيف تتوقع مني فعل ذلك؟”
قال أوز: ” “لست أدري إن كنت ستفلحين في إنجاز هذه المهمة أم لا، ولكن هذا هو الطريق الوحيد المتاح لك. ولن ترى من جديد عمك وعمتك ولن تتاح لك فرصة العودة إلى أحضان وطنك الغالي، ما لم تنجزي ما أطلبه منك بالكامل. تذكري جيداً أن هذه الساحرة الأخيرة المتبقية شريرة للغاية، ولا بد من استئصال شرها واجتثاثها من جذورها حتى يستتب الأمن في ربوع هذه البلاد.”
خرجت الفتاة من عند أوز حزينة، وعادت إلى المكان الذي ينتظرها فيه رفاقها لسماع ما قاله أوز لها.
فقالت بصوت حزين ونبرة تغلب عليها خيبة الأمل: “لا أمل لي. أوز لن يعيدني إلى دياري حتى أقتل ساحرة الغرب الشريرة، وهذا ما لا يمكنني فعله مطلقًا.”
شعر أصدقاؤها بالأسى، لكن لم يكن بيدهم حيلة، فذهبت إلى غرفتها واستلقت على الفراش وراحت تبكي حتى غلها النوم.
في اليوم التالي جاء الجندي ذو اللحية الخضراء إلى الفزّاعة وقال: “تعال معي، لقد أرسل أوز في طلبك.”
تبعه الفزّاعة ودخل إلى عرش أوز، حيث رأى سيدة فائقة الجمال تجلس على عرش الزمرد. كانت ترتدي ثوبًا من الحرير الأخضر الرقيق، وتضع فوق شعرها الأخضر الناعم المنسدل تاجًا مرصعًا بالجواهر، وبين كتفيها برز جناحان رقيقان، حتى أنهما يرفرفان إن مرت أرق نسمة.
أنحنى الفزّاعة، بالقدر الذي يسمح له حشوه من القش، أمام هذه المخلوقة الفاتنة، فنظرت إليه نظرة عذبة وقالت: “أنا أوز العظيم الرهيب، من أنت ولم جئت لرؤيتي؟”
دُهش خيال الفزّاعة الذي كان يتوقع رؤية ذلك الرأس الضخم الذي وصفته دوروثي، لكنه تشجع وقال: “أنا لست إلا خيال فزّاعة، محشو بالقش، ليس لي عقل، وأتيت أتوسلك أن تهبني عقلًا يزين رأسي بدلًا من القش. لعلّي أصبح رجلًا كباقي رجال هذه البلاد.
فسألت أوز: “ولم عليّ مساعدتك؟”
قال خيال الفزّاعة: “لأنك قوي وحكيم، وما من أحدٍ غيرك يستطيع مساعدتي.”
فقالت أوز: “إني لا أهب العطايا أبداً دون مقابل على الإطلاق. فهذه شيمتي منذ القِدم ولن أُخالفها مهما كانت الظروف. لكنني آليت على نفسي عهداً، بأنني سأمنحك أسمى موهبة تتمناها، إن أنت وفقت في القضاء على شر ساحرة الغرب الأثيمة.”
فقال خيال الفزّاعة مندهشًا: “ظننت أنك طلبت من دوروثي فعل ذلك.”
قالت أوز: “لست أبالي بمن سيضطلع بهذه المهمة، فجميع الخلائق في هذه البلاد سواسية عندي. لكنني لن أنفذ وعدي ولن أحقق أمنيتك بمنحك العقل الرائع الذي تتوق إليه، إلا بعد أن تُردي تلك الساحرة الشريرة قتيلة لا محالة.”
عاد خيال الفزّاعة حزينًا، خائب الأمل وأخبر رفاقه بما حدث، ودُهشت دوروثي لّما سمعت أنّ الساحر العظيم لم يكن رأسًا كما رأته.
فقال خيال الفزّاعة: “الأمر سواء، فهي تحتاج قلبًا بقدر ما يحتاج الرجل الصفيح، لعلها تحس بآلامنا وترفق بنا.”
في الصباح التالي جاء الجندي ذو اللحية الخضراء إلى الرجل الصفيح وقال: “لقد أرسل أوز في طلبك، هيا اتبعني.”
تبعه الحطّاب ودخل إلى عرش أوز. لم يكن يعرف إن كان سيجد أوز سيدة جميلة أو رأسًا ضخمًا، لكنه تمنى أن يلقى السيدة الجميلة، وقال في نفسه إن كان رأسا فأنا واثق أنّه لن يمنحني قلبًا، فالرأس بلا قلب، وفاقد الشيء لا يعطيه، فأنّا له أن يشعر بمعاناتي ويمنحني القلب الذي أتمناه. أما إذا كانت السيدة الجميلة فسأتوسل إليها بقوة أن تمنحني قلبًا، فكما هو معروف، النساء لهن قلوب رقيقة.
دخل الحطّاب ولم ير رأسًا ولا سيدة جميلة، لأن أوز اتخذ في هذه المرة هيئة حيوان مخيف جدًا. كان كبيرًا بحجم الفيل، حتى أنّ العرش بالكاد كان يحمله. رأس هذا الحيوان يشبه رأس وحيد القرن، غير أنّه ذو خمسة عيون وخمسة أذرع وخمس سيقان نحيلة. ويغطي جسده الوبر الكثيف، حيث لا يمكن أن يُتصور حيوانًا شكله مخيف أكثر من هذا. من حسن حظ الحطّاب، أن لا قلب له ولن يشعر بالخوف، وإلا فقد كان الخوف ليصرعه وربما مات من الرعب.
زمجر الحيوان قائلًا: “أنا أوز العظيم الرهيب، من أنت ولم جئت لرؤيتي؟”
قال الرجل الصفيح: “أنا حطّاب مصنوع من الصفيح، لذلك ليس لي قلب ولا يمكنني أن أحب، وجئتك أتوسل إليك أن تمنحني قلبًا، لعلّي أصبح كالرجال الآخرين.”
فقال أوز: “ولم علي فعل ذلك؟”
فرد الحطّاب: “لأني أحتاجه وأنت الوحيد القادر على فعل ذلك.”
زمجر الحيوان بصوت خفيض وقال: “إن كنت تطلب قلبًا فعليك كسبه.”
قال الحطّاب: “كيف؟”
رد عليه أوز: ” إن أنت ساعدت دوروثي على التخلص من شر ساحرة الغرب الأثيمة، فسأكافئك بأغلى ما أملكه من كنوز. حينها سأمنحك أسمى قلب يخفق في صدور البشر ببلاد أوز، قلباً فياضاً بالعطف والحنان، يغمر كل من حوله بغزارة مشاعر الرأفة والرحمة. سيكون لك ذلك القلب الكبير الواسع كنزاً لا يفنى، تَرى من خلاله العالم بعين مفعمة بالإشفاق والتعاطف مع جميع الكائنات.”
غادر الحطّاب غرفة العرش وعاد في أسى إلى أصدقائه، وأخبرهم بأمر الحيوان المخيف الذي رآه، فتعجب الجميع من تلك الهيئات التي يتخذها أوز.
فقال الأسد: “لو كان على شاكلة حيوانٍ حين أذهب وأقابله فسأزأر عليه وأخيفه، حتى يمنحني ما أطلب، وإن كان على شاكلة سيدة جميلة، فسأتظاهر بالوثب عليها وأجبرها على تلبية طلباتي، وإن كان رأسا كبيرا سأدحرجه على الأرض حتى يقع تحت رحمتي ويلبي ما أطلبه منه. ابتهجوا يا أصدقائي، كلّ شيء سيكون على ما يرام.”
في الصباح التالي أخذ الجندي ذو اللحية الخضراء الأسد للقاء أوز. دخل الأسد وحين نظر من حوله رأى كرة من اللهب متوهجة، وبالكاد يحتمل النظر إليها. في أول الأمر ظن أن النار أصابت أوز وأهلكته، وحين حاول الاقتراب، كانت الحرارة شديدة فلفحت شاربه، فرجع للخلف مرتعدًا وراح ناحية الباب.
انبعث صوت هادئ من كرة اللهب يقول: “أنا أوز العظيم الرهيب. من أنت ولم طلبت رؤيتي؟”
أجاب الأسد: “أنا أسدٌ جبان وأخاف من كلّ شيء تقريبا، وجئت إليك متوسلًا أن تمنحني الشجاعة، حتى أصبح ملك الغابة بالفعل لا بالاسم فقط.”
قال أوز: “ولما قد أفعل ذلك؟”
قال الأسد: “لأنك الأعظم بين السحرة، وأنت الوحيد القادر على تحقيق أمنيتي.”
زاد لهيب النار ثم صعد منها صوت قائلًا: “هات لي دليلًا على هلاك ساحرة الغرب، وسأمنحك شجاعة لم يبلغها أحد من العالمين. لكن مادامت على قيد الحياة فستبقى جبانًا ما حييت.”
غضب الأسد من سماع هذا الكلام، ولكنه لم يستطع التفوه بكلمة واحدة، ووقف محدقًا في كرة اللهب والغيظ يملأه، فاشتد لهيب النار فاستدار الأسد وخرج لأصدقائه الذين بانتظاره، ولم يخفف عنه ما في صدره من ضيق إلا رؤية رفاقه، وأخبرهم بما حدث.
قالت دوروثي في حزن: “ما الذي سنفعله الآن؟”
فقال الأسد: “ليس أمامنا إلا أمر واحد، لنذهب إلى بلاد الوينكي ونبحث عن الساحرة الشريرة ونقتلها.”
قالت الفتاة: “وماذا إن لم نقدر على قتلها؟”
فقال الأسد: “حينها لن أنال الشجاعة أبدًا.”
وقال خيال الفزّاعة: “وأنا لن أحصل على العقل أبدًا.”
وقالت الحطّاب: “وأنا لن أحصل على قلب أبدًا.”
وقالت دوروثي: “وأنا لن أرى العمة إيم والعم هنري أبدًا.”
وراحت تبكي في خيبة أمل وانقطاع للرجاء. فقالت الفتاة الخضراء: “كوني حذرة، ستسقط دموعك على ثوبك الحريري الأخضر وتبقعه.” فجففت دوروثي عينيها وقالت: “أظن أن علينا المحاولة، ولكني أعلم أني لا أود قتل أحد، حتى لو في سبيل العودة إلى بيتي ورؤية العمة إيم.”
قال الأسد: “سأذهب معك، رغم أني جبان ولا أقدر على قتل الساحرة.”
وقال خيال الفزّاعة: “وأنا أيضًا سآتي معك، رغم أني أحمق ولا قدرة لي على مساعدتك.”
وقال الحطّاب: “ليس لي قلب لأؤذي حتى ساحرة، ولكن إن أنت ذهبتِ فسآتي معك.”
وبهذا قرروا أن يبدؤوا رحلتهم من جديد في الصباح التالي، فسنّ الحطّاب فأسه على مسنٍّ أخضر، وصب الزيت على مفاصله كلها. وحشا خيال الفزّاعة نفسه بقش جديد، ووضعت دوروثي طلاء جديد على عينيه حتى يرى بوضوح، وملأت الفتاة الخضراء سلة دوروثي بأصناف شهية، بينما ربطت جرسًا صغيرًا حول عنق توتو بشريط أخضر.
خلد المغامرون إلى النوم باكرا، وفي الصباح أيقظهم صياح ديك أخضر كان يعيش في الفناء الخلفي للقصر هو ودجاجة تضع البيض الأخضر.
الفصل 12: البحث عن الساحرة الشريرة
أخذ الجندي ذو اللحية الخضراء فريق المغامرين في شوارع مدينة الزمرد حتى وصلوا إلى غرفة حارس البوابة.
فتح الحارس أقفال نظاراتهم ليعيدها إلى الصندوق الكبير، ثم فتح لهم البوابة بأسلوب مهذب وودود.
سألت دوروثي: “أيّ الطرق يأخذنا إلى ساحرة الغرب الشريرة؟”
أجابها حارس البوابة: “ليس ثمة طريق. فما من أحدٍ يتمنى أن يذهب في تلك البلاد أبدًا.”
فسألته الفتاة: “كيف سنجدها إذن؟”
رد عليها الحارس: “ليس هناك شيء أسهل من هذا. كل ما عليكم فعله هو أن تذهبوا إلى بلاد الوينكي، وهي بنفسها ستعثر عليكم لتجعل منكم عبيدًا لها.”
قال خيال الفزّاعة: “ربما لن تفعل ذلك، لأننا ننوي قتلها.”
قال حارس البوابة: “آه، لعل هذا أمر مختلف إذن، فلم يحاول أحد قتلها من قبل، لذلك ظننتها سوف تجعلكم عبيدًا لها كما فعلت بالآخرين. لكن خذوا حذركم لأنها شريرة وقوية، وليس من السهل عليكم قتلها. امشوا نحو الغرب حيث تغيب الشمس ولن تخفقوا في العثور عليها.”
شكره المغامرون وودعوه، ثمّ اتجهوا شطر الغرب وهم يمشون على حقول من العشب الطري المرقط هنا وهناك بالأقحوان والحوذان.
مازالت الفتاة ترتدي الفستان الحريري الجميل الذي ارتدته في القصر. لكنها دُهشت حينما وجدت أنه لم يعد أخضر، بل صار أبيضًا ناصع كما أن الشريطة التي حول عنق توتو صارت بيضاء هي الأخرى.

كانت مدينة الزمرد قد صارت بعيدة من ورائهم، وكلما تقدموا صارت الأرض أكثر وعورة وانحدارًا، فلم يكن في بلاد الغرب أيّ مزارع أو بيوت وكانت الأرض بورًا.
سطعت الشمس بعد الظهيرة، وكانت شديدة وحارقة وما من أشجار يستظلون بها، فأصيبت دوروثي وتوتو والأسد بالإعياء قبل حلول الليل، فاستلقوا على العشب وراحوا في النوم. وقام خيال الفزّاعة والحطّاب الصفيح بحراستهم.
كانت ساحرة الشرق عوراء، لكن كانت تلك العين الواحدة التي تملكها قوية وثاقبة كالمنظار، وبإمكانها أن ترى كلّ شيء.
صادف أنها رأت دوروثي وهي نائمة وحولها أصدقاؤها، حين كانت تجلس أمام باب قلعتها التي كانوا يبعدون عنها كثيرًا. لذا استشاطت الساحرة عضبًا حين عرفت أن هؤلاء الغرباء تجرؤوا على الدخول إلى أرضها، فنفخت في صافرة فضية كانت معلقة في عنقها، فاجتمع حولها على الفور قطيع من الذئاب من كلّ حدب وصوب.
كان لها سيقان طويلة وأنظار ثاقبة وأنياب حادة. فأمرتهم أن يذهبوا صوب دوروثي وأصدقائها ويمزقوهم إربًا إربًا.
فسألها زعيم الذئاب: “ألن تجعليهم عبيدًا لكِ؟”
فأجابته قائلة: “كلا، فأحدهم من صفيح والآخر من القش والأخرى فتاة صغيرة والآخر أسد، ولا فائدة من أيٍ منهم. بوسعكم تمزيقهم إلى قطع صغيرة.”
قال زعيم الذئاب: “سمعا وطاعة.” وانطلق بأقصى سرعته وخلفه جميع الذئاب. من حسن الحظ أن الفزّاعة والحطّاب كانا يقظين ومنتبهين وسمعا الذئاب وهي قادمة.
فقال الحطّاب: “هذه معركتي. اختبئ خلفي وأنا سأواجه الذئاب إن تقدمت.”
وأمسك بفأسه الحادة، وحين اقترب زعيم الذئاب رفع الحطّاب يده لينزل بفأسه على رأس الزعيم ليفصله عن جسده، فمات في الحال. وكلما اقترب ذئب آخر نالت منه الفأس الحادة وظلت المعركة على هذا المنوال حتى قتل الحطّاب الماهر بفأسه الحادة القطيع المكون من أربعين ذئبا. ثم طرح فأسه أرضًا، وجلس قرب خيال الفزّاعة الذي قال له: “كانت هذه معركة جيدة يا صديقي.”
وانتظرا حتى استيقظت الفتاة في الصباح التالي، وحين رأت كومة الذئاب المذبوحة أصيبت بالذعر لكن الحطّاب أخبرها بالقصة كاملة، فشكرته على إنقاذه لهم وجلست لتناول الإفطار. ثم انطلق المغامرون ليكملوا رحلتهم.
خرجت الساحرة الشريرة إلى باب قلعتها، لترى بعينها الوحيدة قطيعها من الذئاب مذبوحا والغرباء يتنقلون على أرضها. فزاد غضبها أكثر من ذي قبل، ونفخت في صافرتها الفضية نفختين، فجاءها سرب من الغربان المتوحشة التي كانت تسد السماء حتى لا يصل إلا الأرض شعاع نور.
فقالت الساحرة الشريرة: “طيروا في الحال إلى هؤلاء الغرباء، وانقروا أعينهم ومزقوهم إربًا.”
طارت الغربان المتوحشة نحو الفتاة ورفاقها، وشعرت الفتاة بالخوف حين رأتها قادمة نحوهم.
لكن خيال الفزّاعة قال: “هذه معركتي. استلقوا بالقرب مني، ولن تصابوا بأيّ أذى.”
فاستلقوا كلهم على الأرض ماعدا خيال الفزّاعة الذي وقف باسطًا ذراعيه، فذُعرت الغربان حينما رأته ولم تجرؤ على الاقتراب. لكن ملك الغربان قال: “إنه ليس إلا رجلًا محشوًا بالقش سأنقر عينيه.”
طار ملك الغربان نحو خيال الفزّاعة الذي أمسك به من رأسه ولوى عنقه حتى مات. وكلما طار إليه غراب آخر لوى عنقه حتى قتله. حتى قضى على سرب الغربان المكون من أربعين غراب. فنادى خيال الفزّاعة على أصدقائه لينهضوا وواصلوا رحلتهم.
حين نظرت الساحرة الشريرة ثانيةً ورأت أن كلّ غربانها قد قتلت، طار عقلها وأمسكت بصافرتها ونفخت فيها ثلاث نفخات. عندئذ سُمع طنين عظيم في الجو، وحلّق نحوها سرب من النحل الأسود.
فأمرتهم قائلة: “اذهبوا إلى هؤلاء الغرباء والسعوهم حتى الموت.”
استدار النحل وطار مسرعًا حتى وصل إلى دوروثي وأصدقائها. لما رأى خيال الفزّاعة النحل قادم قرر ما سيفعله.
وقال للحطاب: “أخرج قشي وانثره على دوروثي وتوتو والأسد؛ فلن يلسعهم النحل.”
فاستلقت دوروثي ورفيقاها وأخرج الحطّاب القش من خيال الفزّاعة ونثره فوق رفاقه. ولما جاء النحل لم يجد أحدًا ليلسعه سوى الحطّاب الصفيح.
طار النحل نحو الحطّاب وراح يلسعه بشوكاته التي تكسرت واحدة تلو الأخرى. بينما لم يصب الحطّاب بأيّ أذى ولأن النحل يموت إن فقد شوكه فمات جميعا وكانت تلك نهاية جيش النحل الأسود العظيم.
نهضت الفتاة وساعدت الحطّاب في إعادة حشو خيال الفزّاعة مرة أخرى حتى عاد كما كان، وتابعوا رحلتهم ثانيةً.
كادت الساحرة تموت من الحسرة على ما أصاب جيشها من النحل الأسود. فخبطت بقدمها في الأرض وشدت شعرها وصكت بأسنانها، ثم استدعت عددًا من عبيدها الذين كانوا من شعب الوينكي، وأعطتهم حِرابًا حادة وأمرتهم بالذهاب إلى الغرباء وقتلهم.
لم يكن أهل الوينكي شجعان لكنهم اضطروا إلى تنفيذ ما أمرتهم به الساحرة، وذهبوا إلى دوروثي ورفاقها وحين وصلوا إلى هنالك وبمجرد أن زأر الأسد ووثب نحوهم أصيبوا بالذعر وولوا هاربين بأقصى سرعتهم.
حين عادوا إلى القلعة جلدتهم الساحرة بالسوط وأعادتهم إلى عملهم. ثم جلست تفكر فيما ستفعله. لم تستطع الساحرة أن تفهم كيف فشلت كل خططها لكنها عرفت كيف تخرج من هذا المأزق. فكان لديها في خزانتها قبعة ذهبية مزينة بالماس والياقوت، ولهذه البقعة تعويذة تمكن من يملكها من استدعاء القردة المجنحة ثلاث مرات، وستلبي كل ما يأمرها به.
لكن ليس بوسع أحد أن يأمر هذه المخلوقات أكثر من ثلاث مرات، وهي قد استخدمت تلك القبعة مرتين، مرة حين جعلت الوينكي عبيدًا لها ونصبت نفسها ملكة لبلادهم، والمرة الأخرى عندما كانت تحارب أوز وطردته خارج بلاد الغرب. الآن لم يعد لديها إلا محاولة واحدة ولا تريد استنفادها. لكن بعد هلاك جيوشها من الذئاب والغربان والنحل فليس لديها إلا هذه الوسيلة لتقضي بها على دوروثي ورفاقها.
فأخرجت القبعة ووضعتها على رأسها، ثم وقفت على قدمها اليسرى ونطقت بتعويذة غريبة، ثم وقفت على قدمها اليمنى وقالت تعويذة أخرى، ثم استوت على قدميها الاثنتين وقالت تعويذة غير الاثنتين السابقتين.
بدأت التعويذة تعمل وأظلمت السماء، وسُمع في الجو صوت دوي قريب وصوت رفرفة الأجنحة وصخب عظيم، وبرزت الشمس من السماء المعتمة لتكشف عن الساحرة الشريرة المحاطة بحشد من القرود المجنحة.
تقدم أكبرها مقتربًا من الساحرة وقال: “لقد دعوتنا للمرة الثالثة والأخيرة. فبم تأمرين؟”
قالت الساحرة: “اذهبوا إلى الغرباء الذين تجرؤوا ودخلوا أرضي، واقضوا عليهم كلهم ما عدى الأسد. اجلبوا لي هذا السبع لأني أرغب في أن أربطه وأجعله كحصان لي.”
قال قائد القردة: “أمرك مطاع.” ثم طارت القردة مصدرة ضجيجا هائلا.
وصلت القردة إلى مكان دوروثي ورفاقها وأجهزوا عليهم، فأخذت بعض القردة الحطّاب وطارت به فوق أرض تغطيها الصخور المدببة، وألقت به ليقع محطمًا ومنبعجًا، عاجزا عن الحركة تمامً، غير قادر حتى على الأنين.
وأمسكت قردة أخرى بالفزّاعة، وأخرجت بأصابعها الطويلة كل القش من جسمه ورأسه، وأطاحت بقبعته وثيابه وحذائه على أغصان الشجر.
أما باقي القردة فقد ألقت على الأسد حبالًا قوية، وقيدته حتى صار عاجزًا على فعل أيّ شيء. ثم طارت به إلى قلعة الساحرة ووضعوه في فناء صغير محاطا بسياج معدني، فلا يستطيع الهرب.

أمّا دوروثي المسكينة فقد كانت تقف مذعورة، وتشاهد ما حلّ برفاقها وتوتو بين ذراعيها، وكانت تنتظر دورها ليفتك بها. لكن ما أن اقترب منها زعيم القردة، ورأى القبلة التي على جبينها أشار إلى باقي القردة وقال لهم: “لا نقدر على إيذائها، فقوة الخير تحميها، وهذه قوة أقوى من قوة الشر. كل ما بوسعنا فعله هو أن نحملها إلى قلعة الساحرة الشريرة ونتركها هناك.”
فرفعوا الفتاة بأيديهم بحذر ولطف، وحملوها بسرعة إلى القلعة ونزلوا بها عند باب القلعة.
وقال الزعيم للساحرة: “لقد أطعنا أمرك ما استطعنا، وقضينا على خيال الفزّاعة والحطّاب، والأسد مقيد في فنائك. أما تلك الفتاة فلا نجرؤ على إيذائها ولا الكلب الذي بين ذراعيها. لقد انقضت سلطتك علينا ولن ترينا ثانيةً.” ثم طارت القردة واختفت عن الأنظار.
دُهشت الساحرة الشريرة وتعجبت لمّا رأت العلامة التي على جبين الفتاة، لأنها تعرف أنه ما من أحدٍ قادر على إيذائها لطالما تحمل تلك العلامة. ولما خفضت نظرها نحو قدمي دوروثي ورأت الحذاء الفضي ارتعدت وكانت تحاول الفرار من دوروثي. فالحذاء له تعويذة قوية، لكنها لما نظرت في عيني الطفلة ورأت كم هي بريئة عرفت أنها لا تعرف أمر القوة العجيبة التي في الحذاء.
أخذت الساحرة تضحك في سرها وتقول مازال بوسعي استعبادها فهي لا تعرف كيف تستخدم قوتها، ثم قالت للفتاة بحدة وقسوة: “تعالي معي وافعلي كل ما آمرك به، لأنك إن لم تفعلي ما آمرك به سأقضي عليك كما فعلت بالحطّاب والرجل الصفيح وخيال الفزّاعة.”
تبعتها الفتاة مرورا عبر الكثير من الغرف الجميلة بالقلعة، حتى وصلتا المطبخ إذ أمرتها الساحرة الشرير أن تنظف القدور والأباريق وتكنس الأرض وتشعل النار.
شرعت دوروثي بالعمل بنشاط، وقد عزمت على أن تعمل بأقصى جهدها لأنها فرحت لأن الساحرة لم تقرر قتلها. وبينما هي منهمكة في العمل، ظنت الساحرة أنها قادرة على الذهاب إلى الفناء وربط الأسد مثل الحصان، إذا كانت واثقة أن جعله يجر عربتها كلما أرادت الذهاب في جولة سيسليها. ولكن ما إن فتحت البوابة، وثب إليها الأسد وزأر فولّت هاربة وأغلقت البوابة ثانيةً.
فقالت إن لم يكن بمقدوري ربطك، فسأجعلك تتضور جوعًا ولن يكون لديك ما تأكله، حتى تفعل ما أريد.
لم تأخذ بعد ذلك أي طعام للأسد الحبيس، وكانت كل يوم بعد الظهيرة تسأله هل أنت مستعد لربطك كالحصان، فيجيب الأسد: “لا. سأعضك إن دخلت هذا الفناء.”
أما السبب الذي دفع الأسد ألا يستجيب لما تأمره به الساحرة، فهو أن دوروثي كانت تجلب له الطعام كل ليلة حين تنام الساحرة، وبعد أن يفرغ من طعامه يستلقي على فراشه من القش، وتستلقي الفتاة على لبدته الكثيفة ويتحدثان فيما قد حل بهما ويفكران في العثور على طريقة للهرب. لكنهما لا يجدان طريقة للخروج من القلعة، فعبيد الوينكي الصُفر يخافون من الساحرة ويحرسونها باستمرار.
كان على الفتاة العمل بجد أثناء النهار، وكثيرًا ما كانت تهددها الساحرة بأن تضربها بمظلتها القديمة التي تحملها في يدها دومًا. غير أنها في الحقيقة لا تجرؤ أبدًا على فعل أي شيء لدوروثي، بسبب العلامة التي على جبينها. لكن الفتاة المسكيمة لم تكن تعلم بهذا، وكانت تمتلئ خوفًا على نفسها وعلى توتو. فقد ضربت الساحرة توتو ضربة بمظلتها، لكن توتو الشجاع راح وعضها من ساقها. ولكنها لم تُجرح لأن دمها جف منذ سنوات بعيدة.
غدت حياة الفتاة المسكينة حزينة، وفقدت الأمل في العودة إلى كانساس، ورؤية العمة إيم وكانت تبكي لساعات بكاءً مريرًا. وكان توتو يجلس قرب قدميها، وينظر إلى وجهها ويئن في حزن ليشاطر صديقته حزنها. ورغم أنه لا يكترث بالرجوع إلى كانساس ولا يهمه إلا وجوده بالقرب من صديقته؛ إلا أنه كان حزينًا لما يراه على صديقته من الحزن والأسى.
كانت الساحرة الشريرة تتوق بشدة للحصول على الحذاء الفضي الذي ترتديه الفتاة. فجيوشها من الذئاب والغربان والنحل هلكت، وقبعتها الذهبية لم تعد مفيدة الآن. لكن إن استطاعت الاستيلاء على الحذاء الفضي، سيمنحها قوة أكبر من كل ما فقدته. فكانت تراقب دوروثي بحذر لترى أن كانت ستخلع حذاءها، لعلّها تقدر على سرقته.
لكن الطفلة كانت فخورة جدًا بحذائها الجميل، ولا تخلعه أبدًا إلا ليلًا حين تغتسل. وقد كانت الساحرة تخشى الظلام كثيرًا ولا تجرؤ على دخول أي غرفة ليلا. لذا لم تفكر في دخول غرفة دوروثي ليلًا لتأخذ الحذاء، وكان خوفها من الماء أعظم من خوفها من الظلام فلم تقترب أبدًا من الفتاة حين كانت تغتسل، فالساحرة لم تلمس الماء بتاتًا ولم تسمح للماء أن يمسها أبدًا من قبل بأي شكل من الأشكال. ولأنها شديدة المكر والدهاء، فكرت أخيرًا في حيلة لتحصل على ما تريد.
فوضعت قضيبًا حديديًا وسط أرضية المطبخ، وجعلت هذا القضيب خفيًا عن عيون البشر. وهكذا تعثرت به الفتاة وسقطت بالأرض. عندما سقطت دوروثي انخلعت أحد فردتي الحذاء من قدمها وقبل أن تصل لها سارعت الساحرة واختطفته ووضعته في قدمها النحيلة.
سرت الساحرة الشريرة بنجاح حيلتها، فطالما حصلت على أحد فردتي الحذاء فهذا يعني أنها امتلكت نصف قوة التعويذة. ولن تتمكن الفتاة من استخدام تعويذة الحذاء ضدها، إن عرفت كيف تستخدمها.
غضبت الفتاة بعد أن انتبهت أنها فقدت إحدى فردتي حذائها الجميل، وقالت للساحرة: “أعيدي لي حذائي.”
فقالت الساحرة: “لن أفعل ذلك، فقد صار الآن ملكي.”
صاحت دوروثي قائلة: “يا لك من مخلوقة شريرة، ليس لك الحق في أخذ حذائي مني.”
فقالت الساحرة وهي تضحك: “سأحتفظ به هكذا، وسأحصل على الفردة الأخرى يومًا ما.”
جعل هذا الفتاة تستشيط غضبًا؛ فأمسكت بدلو الماء وصبته على الساحرة، مبللةً إياها من رأسها حتى أخمص قدميها. في الحال صرخت الساحرة في ذعرٍ، ثم راحت تنكمش وتذوب، والفتاة تنظر إليها في عجب.

صرخت الساحرة: “انظري ماذا فعلتِ. سأذوب الآن بسببك في لحظات.”
فقالت الفتاة في خوف: “أنا آسفة حقًا.”
سألت الساحرة بصوت نائح في يأس وحسرة، “ألا تعرفين أن الماء يقضي علي؟”
فأجابت دوروثي: “بالطبع لا أعرف. من أين لي أن أعرف ذلك؟”
قالت الساحرة: ” سأذوب خلال دقائق معدودات، والقلعة ستصبح ملكك وحدك يا دوروثي. لقد كنت شريرة طوال حياتي، ولم أتصور أن نهايتي ستكون على يد فتاة صغيرة مثلك. ها أنا أذوب الآن.”
سقطت الساحرة الشريرة بعد هذه الكلمات، وصارت بقعة بنية سائلة على أرضية المطبخ. فأخذت دوروثي دلو الماء وصبته على تلك البقعة، ومسحت الأرضية بعد أن أخذت الحذاء الفضي الذي كان كل ما تبقى من الساحرة، ونظفته وجففته بقطعة قماش ولبسته ثانيةً. وخرجت مسرعة لتخبر صديقها الأسد أنّ ساحرة الغرب الشريرة قد هلكت، وأنهما لم يعودا سجينين في بلاد غريبة.
الفصل 13: الإنقاذ
سُرّ الأسد لما سمع أنّ الساحرة قد هلكت وذابت بدلو ماء. وعلى الفور فتحت له دوروثي البوابة لتخرجه من محبسه، ودخلا القلعة سويًا. وكان أول ما فعلته الفتاة أن استدعت شعب الوينكي المستعبد، وأخبرتهم أنهم أحرار ولم يعودوا عبيدًا من الآن.
فرح شعب الوينكي الأصفر فرحًا شديدًا. فقد طالت سنوات استعبادهم من الساحرة الشريرة، التي عاملتهم بقسوة بالغة، وجعلوا من يومهم هذا عيدًا، وأمضوا الوقت في الأكل والرقص.
فقال الأسد: “آهٍ لو كان معنا صديقانا الفزّاعة والحطّاب، لكنت الآن في غاية السعادة.”
قالت دوروثي: “ألا تظن أن بوسعنا إنقاذهما؟”
فاستدعوا الوينكي وسألوهم إن كان بمقدورهم مساعدتهم في إنقاذ أصدقائهم، فرد الوينكي قائلين بأنهم سيسعدهم بحق بذل كلّ ما في وسعهم من أجل دوروثي، التي حررتهم من العبودية.
اختارت الفتاة عددًا من الوينكي الذين بدوا قادرين على المساعدة أكثر من غيرهم، وانطلقوا جميعًا. ساروا كامل النهار وردحًا من اليوم، حتى وصلوا إلى السهل الصخري الذي سقط فيه الحطّاب، وصار منبعجًا ومحطمًا، وبجانبه فأسه وقد صدأ نصلها وانكسر مقبضها.
حمله الوينكي بلطف بين أيديهم، وعادوا به إلى القلعة الصفراء. وقد بكت الفتاة بشدة على ما أصاب صديقها والأسد وقف صامتًا في حزن.
قالت دوروثي: “هل بينكم حداد؟”
قال الوينكي: “طبعا. بعضنا حدادون مهرة.”
فقالت الفتاة: “إذًا آتوني بهم.”
ولما جاء الحدادون ومعدّاتهم، سألتهم دوروثي: “هل بوسعكم إصلاح هذه الانبعاجات التي في جسم الحطّاب وأن تلحموا مواضع الكسر وتعيدوه كما كان؟”
نظر الحدّادون إلى الحطّاب، وفحصوه بعناية. ثم شرعوا بالعمل في واحدة من أكبر الغرف في القلعة الصفراء.
استمر العمل لثلاثة أيام وأربع ليال، وهم يطرقون ويلوون ويثنون ويلحمون ويلمعون ويدقون ساقي الحطّاب ورأسه وجسمه. حتى عاد إلى شكله الذي كان عليه، وعملت مفاصله على نحو جيد. كان في جسمه بعض آثار اللحام طبعًا، لكن الحدادين قاموا بعمل بارع ومتقن لإرجاعه كما كان. لم يكترث الحطّاب بأمر اللحام، لأنه لم يكن رجلًا يلتفت للتفاصيل الجانبية.

حين دخل غرفة دوروثي ليشكرها على ما صنعته معه؛ كان سعيدًا للغاية فأذرف بعض دموع الفرح، التي سارعت دوروثي ومسحتها بمئزرها بعناية كيلا تصدأ مفاصله. في حين أنها كانت تبكي بشدة في الوقت ذاته فرحةً برؤية صديقها ثانيةً.
أما الأسد فقد ابتل ذيله بعد أن جفف به دموعه فخرج ليجلس في الشمس حتى يجف.
قال الحطّاب: “آهٍ لو كان معنا خيال الفزّاعة، لكنت في غاية السعادة.”
قالت الفتاة: “علينا أن نحاول العثور عليه.”
فطلبت الوينكي ثانيةً لمساعدتها، فمشوا طوال ذلك اليوم وردحًا من النهار الموالي، حتى وصلوا إلى الشجرة التي ألقته القردة على أغصانها.
كانت شجرة عالية جدًا، وكان جذعها زلقًا فلا يستطيع أحد تسلقه، لكن الحطّاب تطوع على الفور لقطعها حتى يمكنهم الوصول إلى الثياب البالية للفزاعة التي علقت هنالك لمدة طويلة.
حين كان الحدادون يعملون على إصلاح الحطّاب، صنع رجل من الوينكي، وكان صائغًا، مقبضًا من الذهب للفأس عوضًا عن القديم الذي انكسر، وقام آخرون بتلميع نصلها حتى زال عنه الصدأ، وصار يلمع مثل الياقوت.
وفي الحال قطع الحطّاب الشجرة، فسقطت محدثة ارتطامًا شديدًا، وهوت ثياب خيال الفزّاعة وسقطت على الأرض. التقطت دوروثي الثياب وجعلت الوينكي يحملونها إلى القلعة حيث حشيت بقش نظيف وطري. فعاد خيال الفزّاعة كما كان وشكرهم على إنقاذه.
وها قد اجتمع الأصدقاء الآن، وقضت الفتاة ورفاقها بضعة أيام سعيدة في القلعة الصفراء، حيث عثروا على كل ما يحتاجونه من سبل الراحة.
لكن دوروثي تذكرت العمة إيم فقالت: “علينا أن نعود إلى أوز ونطالبه بتنفيذ وعده.”
قال الحطّاب: “أجل. أخيرًا سأحصل على قلب.”
وقال خيال الفزّاعة مبتهجًا: “وأنا سأحصل على عقل.”
وقال الأسد: “وأنا سأنال الشجاعة.”
وصاحت الفتاة وهي تصفق: “وأنا سأعود إلى كانساس، دعونا نذهب غدًا إلى مدينة الزمرد.”
هذا ما عزموا عليه، وفي اليوم التالي جمعوا الوينكي وودّعوهم والذين قد شعروا بدورهم بالأشى لرحيل فريق المغامرين، فقد أحبوا الحطّاب كثيرًا وتوسلوا إليه أن يبقى ليحكمهم ويحكم بلاد الغرب الصفراء.
ولما وجدوا أنهم عازمون على الرحيل، قدم الوينكي طوقًا ذهبيًا لتوتو والأسد، وقدموا لدوروثي سوارًا جميلًا مرصعًا بالماس، وقدموا لخيال الفزّاعة عصا ذهبية الرأس ليتكئ عليها كيلا يتعثر. أما الحطّاب فقدموا له علبة زيت من الفضة المذهبة ومرصعة بالجواهر النفيسة.
ألقى كل واحد من المسافرين خطابًا على الوينكي وصافحوهم حتى تورّمت أيديهم من كثرة المصافحة.
ثم ذهبت دوروثي إلى خزانة الساحرة لتملأ سلتها بالطعام، فوجدت القبعة الذهبية، فوضعتها على رأسها وكانت تناسبها فعزمت على ارتدائها ووضعت قبعتها القديمة في السلة.
وبعد أن تأهبوا للرحلة، اتجهوا ناحية مدينة الزمرد، وودعهم الوينكي في هتافات حارة، وتمنوا لهم الكثير من الأمنيات الطيبة.
الفصل 14: القردة المجنحة
كما تعرفون ليس ثمة طريق، ولا حتى درب يصل بين قلعة الساحرة الشريرة ومدينة الزمرد. فعندما كان المغامرون يبحثون عن الساحرة، هي التي رأتهم وأرسلت القردة المجنحة وحملوهم إليها. وكان العثور على طريق العودة بين حقول الحوذان والأقحوان الواسعة أصعب مما ظنوا.
بطبيعة الحال كانوا يعرفون أنّ عليهم الاتجاه نحو الشرق، مباشرة صوب مشرق الشمس. فساروا على الدرب الصحيح، لكن في الظهيرة، حين انتصبت الشمس فوق رؤوسهم، لم يعرفوا مشرقهم من مغربهم. وتسبب هذا في تيههم في الحقول الواسعة، مع ذلك واصلوا السير.
جنّ الليل، وبزغ القمر فاستلقوا بين الأزهار الصفراء بعبيرها الزكي، وناموا في سكينة حتى الصباح، وبالطبع لما ينم الفزّاعة ولا الحطّاب. في اليوم الموالي كانت الشمس مختبئة خلف غيمة كبيرة، لكنهم انطلقوا كما لو كانوا يعرفون طريقهم الذي عليهم أن يسلكوه.
قالت الفتاة: “لا بد أنّنا سنصل إلى مكان ما إن سرنا مسافة كافية، أنا واثقة من ذلك.”
لكنّ النهار انقضى ولا يرون شيئًا أمامهم سوى الحقول الصفراء. انزعج خيال الفزّاعة وقال: “لا بد أننا ضللنا الطريق، ولن أحصل أبدًا على العقل الذي أرغب به، ما لم نعثر على الطريق في الوقت المناسب لنصل مدينة الزمرد.”
قال الحطّاب: “وأنا لن أحصل على قلب أبدا، يبدو أنني لا أطيق الصبر حتى أصل إلى أوز. ولا بد أن تقروا أنّ هذه الرحلة طويلة ومتعبة.”
تنهّد الأسد وقال: “ليس لديّ الشجاعة لأجوب الآفاق إلى الأبد، دون أن نصل إلى مكان ما.”
فقدت دوروثي حماسها، فجلست على العشب يائسة ونظرت إلى أصحابها. فجلسوا ونظروا إليها. ورأى توتو للمرة الأولى في حياته يتعب من ملاحقة فراشة طارت فوق رأسه. فأخرج لسانه وظل يلهث، ونظر إلى الفتاة وكأنما يسأل هو الآخر عن مصيرهم.
قالت دوروثي: “أظن أنه يجدر بنا أن نستدعي فئران الحقل، لا بد أن بوسعها إرشادنا إلى طريق مدينة الزمرد.”
قال خيال الفزّاعة: “إنها قادرة بلا شك. لِمَ لمْ نفكر في هذا من قبل؟”
نفخت الفتاة في الصافرة التي كانت معلقة في عنقها منذ أن أعطتها لها ملكة الفئران. وفي دقائق قليلة سمعوا وقع أقدام صغيرة. وجاء الكثير من الفئران الصغيرة الرمادية، ومن بينهم الملكة التي سألت بصوتها الحاد: “كيف يمكنني مساعدتكم يا أصدقاء؟”
قالت الفتاة: “لقد ضللنا طريقنا، فهل بمقدورك إرشادنا إلى مدينة الزمرد؟”
أجابتها الملكة: “بالطبع، لكنه طريق طويل لأنكم كنتم تمشون عكس الاتجاه طوال هذا الوقت.”
وبينما هي تتحدث إلى الفتاة، رأت القبعة الذهبية فوق رأسها. فقالت لها: “لما لا تستخدمين تعويذة القبعة وتستدعين القردة المجنحة؟ ستحملكم إلى مدينة أوز في أقل من ساعة؟”
قالت دوروثي في دهشة: “لم أكن أعلم أن لها تعويذة أصلا. ما حقيقة هذه القبعة يا ترى؟”
أجابتها الملكة: ” لو أمعنت النظر سترين أنها مكتوبة داخل القبعة، لكن إن كنتِ ستستدعين القردة المجنحة فلا بد أن نهرب لأنها لعينة وتجد في مهاجمتنا وإيذائنا متعة.”
سألت الفتاة في قلق: “ألن يصيبوني بأذى؟”
فقالت الملكة: “كلا. عليهم طاعة مالك القبعة. لذا سأودعكم الآن!” ثم انصرفت في الحال واختفت عن الأنظار وقد لحقت بها كلّ الفئران مسرعة.
نظرت دوروثي إلى داخل القبعة، ورأت بعض الكلمات المكتوبة على البطانة، ورجّحت أن هذه هي التعويذة فقرأتها بحذر، ووضعت القبعة على رأسها ونطقت التعويذة وهي تقف على قدمها اليسرى. فقال خيال الفزّاعة الذي لم يفهم ولا كلمة: “ماذا قلتِ؟ لم أفهم شيئا.”
ثم وقفت على قدمها اليمنى ونطقت بباقي التعويذة. فاشتبه على الحطّاب أن دوروثي تقول “مرحبًا” فرد التحية.

ثم وقفت على كلتا قدميها، وقالت باقي التعويذة ليسمعوا ضجيجًا هائل، ورفرفة الأجنحة وما هي إلا لحظات حتى ووجدوا جيش القردة المجنحة أمامهم وأنحنى الملك لدوروثي قائلًا: “بم تأمرين؟”
قالت الفتاة: “نود الذهاب إلى مدينة الزمرد وقد ضللنا طريقنا.”
قال الملك: “سنحملكم لها.” وعلى الفور أمسك اثنان من القردة بدوروثي وطارا بها بعيدًا، وحمل الآخرون خيال الفزّاعة والحطّاب ورجل الصفيح والأسد وحمل قرد صغير توتو وطار خلفهم رغم أن توتو حاول عضه.
شعر خيال الفزّاعة والحطّاب بشيء من الخوف، فقد تذكرا ما صنعته بهما القردة، لكنهما لما وجدا أنها لا تنوي إيذاءهما طارا في الهواء مبتهجين، وقضيا وقتًا ممتعًا في النظر إلى البساتين والغابات الجميلة تحتهما.
وجدت دوروثي نفسها تطير بارتياح بين أيدي اثنين من أكبر القردة، وكان أحدهما الملك وقد صنعا لها كرسيًا بأيديهما حرصًا على ألا يصيبها أيّ مكروه.
خطر ببال دوروثي أن تسأل الملك لماذا عليه هو شعبه أن يطيعوا تعويذة القبعة الذهبية. فقال الملك ضاحكًا: “هذه قصة طويلة، لكن ما دام أمامنا رحلة طويلة فسأقصها عليكم إن رغبتم بذلك.”
ردّت دوروثي: “بالطبع، يسرني سماعها.”
بدأ الملك قائلًا: “كنا شعبًا حرًا، نعيش بسعادة في الغابة الكبيرة ونطير من شجرة إلى أخرى ونأكل الثمار وحبات الجوز، ونعمل ما يحلو لنا دون أن ندعو أحدا سيدًا لنا. كان بيننا بعض القردة اللئيمة والمشاكسة، فتنزل لتشد الحيوانات من أذنابها، وتطارد الطيور وتلقي حبات الجوز على الناس الذي يسيرون في الغابة. لكننا كنّا ننعم براحة البال ونعيش في رغد من العيش والمرح ونستمتع بكل لحظة من النهار. كان هذا قبل سنوات عديدة، قبل أن يأتي أوز بوقت طويل ليحكم هذه البلاد ببطشه.
في الشمال كانت تعيش أميرة جميلة وكانت أيضًا ساحرة قوية. كان سحرها مسخرًا لخدمة الناس، ولم نسمع أبدًا أنها آذت أحدًا طيبًا. كان اسمها غايلت، وكان تعيش في قصر جميل بُني من حجر كبير من الياقوت.
أحبها الجميع، لكنها كانت تشعر بأسى عظيم لأنها لم تجد من تحبه، فقد كان كل الرجال شديدي الغباء والقبح، وما من أحدٍ منهم يصلح لها، فقد كانت فائقة الحسن ومتقدة الذهن.
في آخر الأمر التقت بشاب وسيم وقوي وذكي بقدر يفوق عمره، فعقدت غايلت العزم على الزواج به حين يصبح رجلًا، فأخذته إلى قصرها الياقوتي، وسخرت كل سحرها لجعله قويًا وطيبًا على النحو الذي تتمناه أيّ امرأة.
حين نضج الشاب، وكان اسمه كويلالا، صار أفضل الرجال وأكثرهم حكمة في البلاد. وقد كان جماله فائقًا حتى أن غايلت عشقته عشقا جما، وبادرت لإعداد كلّ شيء من أجل زفافهما.
في تلك الأيام كان جدّي ملك القردة المجنحة التي سكنت الغابة، يقطن قرب قصر غايلت. وكان يحب الدعابة أكثر من حبه لأشهى الطعام.
وفي أحد الأيام، قبل الزفاف، كان يطير وسط جماعته فرأى كويلالا يتبختر في ثياب فاخرة من الحرير الوردي والقطيفة الأرجوانية قرب النهر. ففكر جدي في أن يصنع فعلة من فعلاته الهزلية، فنزلت بعض القردة بأمر منه وحملت كويلالا وألقته في الماء.
وقال جدي ضاحكًا: “اسبح يا صديقي العزيز واحذر أن تبقع الماء ثوبك الفاخر.”
كان كويلالا حكيمًا ولم تفسده الثروة، فضحك وسبح نحو الشاطئ. لكن غايلت جاءت تركض ولما رأت ثيابه قد أفسدتها الماء، استشاطت غضبًا، وبالطبع علمت من قام بهذه الأفعال. فأمرت بإحضار القردة وأن يُصنع بهم كما صنعوا بكويلالا، وأن تُربط أجنحتهم ويلقى بهم في الماء. توسل جدي إلى غايلت ألا تفعل ذلك، فإذا ربطت أجنحة القردة وألقتها في الماء ستموت. وتشفع لهم كويلالا، فقبلت غايلت شفاعته، وعفت عن القردة شرط أن تلبي أوامر صاحب القبعة الذهبية ثلاث مرات. وكانت تلك القبعة هدية زفاف لكويلالا وقيل إنها كلفت غايلت نصف مملكتها. وافق جدي وشعبه على الفور، وهكذا صرنا عبيدًا لمالك القبعة ونلبي له ثلاث طلبات أيًا كانت.”
فسالت دوروثي باهتمام: “وماذا حدث لغايلت وكويلالا؟” فقد كانت مهتمة للغاية بالقصة.

قال الملك: “كان كويلالا أول مالك للقبعة الذهبية، وكان أول من أمرنا. ولأنّ عروسه لا تطيق النظر إلينا، فقد دعانا جميعًا إلى الغابة بعد أن تزوجها وأمرنا أن نبقى بعيدين عنها. فلا تقع عيناها أبدًا على القردة المجنحة، ونحن سعدنا بهذا لأننا كنّا نخشاها.
كان هذا كل شيء، حتى وقعت القبعة في يد ساحرة الغرب الشريرة، التي جعلتنا نستعبد شعب الوينكي، ونطرد أوز من بلاد الغرب. بعد ذلك ها قد صارت القبعة الذهبية ملكك ولك الحق في أن تأمرينا ثلاث مرات.”
حين فرغ ملك القردة من قصته، نظرت دوروثي إلى الأسفل ورأت أسوار مدينة الزمرد الخضراء البراقة أمامهم، فتعحبت من سرعة طيران القردة، لكنها سُرت لنهاية الرحلة.
أنزلت المخلوقات الغريبة المسافرين بحذر أمام بوابة المدينة، وانحنى ملك القردة لدوروثي ثم طار بسرعة وتبعته جماعته.
قالت الفتاة: “كانت هذه رحلة رائعة.”
فقال الأسد: “أجل، وكذا الطريق كان سريعا وبعيدا عن المتاعب. من حسن حظنا أنك جلبت هذه القبعة العجيبة يا دوروثي.”
الفصل 15: افتضاح أمر أوز الرهيب
سار المسافرون الأربعة نحو البوابة الكبيرة لمدينة الزمرد ورنوا الجرس. وبعد أن رنّ بضع مرات، فتح حارس البوابة الذي قابلهم من قبل. فسأل مندهشًا: “أنتم! هل عدتم؟”
قال خيال الفزّاعة: “ألا ترانا أمامك؟”
فقال: “ظننتكم ذهبتم لزيارة ساحرة الغرب الشريرة.”
قال خيال الفزّاعة: “لقد زرناها بالفعل.”
قال الحارس متعجبًا: “وتركتكم تعودون؟”
قال خيال الفزّاعة: “ما كان لها أن تمنعنا، لأنها ذابت.”
فقال الرجل: “ذابت! حسنًا. هذه أخبار طيبة حقًا. من ذوبها إذًن؟”
قال الأسد بافتخار: “إنها دوروثي.”
قال الرجل: “يا إلهي الرحيم.” وانحنى أمامها.
أخذهم إلى غرفتها الصغيرة، وأخرج النظارات من الصندوق الكبير، وأقفلها حول أعينهم، كما فعل من قبل.
ثم عبروا البوابة إلى مدينة الزمرد، وحين سمع الناس من حارس البوابة أنّ الغرباء قضوا على ساحرة الغرب الشريرة، وأذابوها في الماء، اجتمعوا حولهم وتبعوهم في حشد عظيم إلى قصر أوز.
كان الجندي ذو اللحية الخضراء لم يزل يحرس الباب. أدخلهم على الفور، والتقوا الفتاة الخضراء الجميلة ثانيةً، التي أخذتهم إلى غرفهم القديمة لينالوا قسطًا من الراحة حتى يقابلوا أوز العظيم.
نقل الجندي على الفور الأخبار إلى أوز العظيم، بأنّ دوروثي ورفاقها قد عادوا بعد القضاء على الساحرة الشريرة، لكنّ أوز لم يجبه بشيء.
ظن المغامرون أنّ أوز سيرسل في طلبهم على الفور، لكنه لم يفعل، ولم يتلقوا منه حتى كلمة لا في اليوم التالي ولا الذي تلاه ولا الذي تلاه. لقد كان الانتظار مضجرًا ومزعجًا، واغتاظوا من الطريقة التي عاملهم بها أوز، بعد أن أرسلهم إلى المهالك.
فطلب الفزّاعة في النهاية من الفتاة الجميلة الخضراء، أن تنقل رسالة أخرى إلى أوز فيه تهديد له بأنهم سيستدعون القردة المجنحة لمساعدتهم، ما لم يقابلهم أوز حالًا، وسيرون إن كان سيفي بوعده إثر ذلك أم لا.
أصيب أوز بالذعر حين نُقلت إليه الرسالة، فأرسل إليهم أن يحضروا إلى غرفة العرش في الساعة التاسعة وأربع دقائق من صباح اليوم التالي. فقد التقى بالقردة المجنحة مرة واحدة في بلاد الغرب ولا يرغب في رؤيتهم ثانيةً.
قضى المسافرون الأربعة ليلة مؤرقة، فكل واحد منهم يفكر في المنحة التي وعد أوز أن يهبها له. ثم غطت دوروثي في النوم، وحلمت أنها كانت في كانساس، حيث كانت العمة إيم مسرورة بعودة دوروثي إلى البيت.
جاء الجندي ذو اللحية الخضراء مسرعًا في التاسعة من صباح اليوم التالي، وبعد أربع دقائق ذهبوا كلهم إلى غرفة العرش.
توقع كلّ منهم أن يرى الساحر بالشكل الذي رآه عليه من قبل، لكن انتابتهم الدهشة حين قلبوا نظرهم في أرجاء الغرفة ولم يروا أحدًا قط، فظلوا قريبين من الباب من بعضهم البعض، لأنّ الصمت الذي خيم على الغرفة كان مخيفًا أكثر من كل الهيئات التي اتخذها أوز من قبل.
ثم سمعوا صوتًا آتيًا من مكان قريب من أعلى القبة الكبيرة، وقال بصوت وقور: “أنا أوز العظيم الرهيب، لم أتيتم لرؤيتي؟”
نظروا في كل أرجاء الغرفة، وسألت الفتاة: “أين أنت؟”
أجابها: “أنا في كلّ مكان، لكني خفي عن أعين البشر، سأجلس على العرش فتستطيعون الحديث إلي.”
ثم بدا أن الصوت صار يأتي من العرش حقًا، فساروا نحوه ووقفوا في صف.
حين قالت الفتاة: “لقد جئنا نطلب منك تنفيذ وعدك يا أوز.”
قال أوز: “أيّ وعد؟”
قالت الفتاة: “لقد وعدت بإعادتي إلى كانساس إن قضيت على الساحرة الشريرة.”
وقال الفزّاعة: “ووعدت بمنحي عقلًا.”
وقاب الحطّاب: “ووعدت بمنحي قلبًا.”
وقال الأسد: “ووعدت بمنحي الشجاعة.”
فقال أوز: “هل هلكت ساحرة الغرب الشريرة بحق؟ ” كان صوته يرجف بعض الشيء.
قالت دوروثي: “لقد ذوبتها بنفسي بدلو ماء.”
قال أوز: “يا إلهي، يا لها من مفاجأة. تعالوا إليَّ غدًا، لأنني أحتاج بعض الوقت للتفكير في الأمر.”
قال الحطّاب: “لقد كان لديك متسع من الوقت للتفكير سلفا.”
وقال خيال الفزّاعة: “لن ننتظر ولو يومًا واحدا.”
وقالت دوروثي: “عليك أن تفي بوعدك لنا.”
فكر الأسد أن من الأفضل إخافة الساحر، فزأر بصوت عال ومخيف جدًا جعل توتو يقفز مبتعدًا مذعورًا، وداس على الحجاب الموضوع في الزاوية. فوجهوا أنظارهم نحوه حتى وقع محدثًا ارتطامًا، وذُهل الرفاق حين رأوا رجلًا قصيرًا أصلعًا وعجوز ووجهه مجعد. كان واقفًا خلف الساتر، وقد بدا عليه الاندهاش. اندفع الحطّاب نحو الرجل القصير رافعًا فأسه وصاح قائلًا: “من أنت؟”

رد الرجل القصير مرتجفًا: “أنا أوز العظيم الرهيب. لا تضربني أرجوك وسأفعل كل ما تريده مني.”
نظر إليه أصدقاؤنا في تعجب وحيرة. وقالت دوروثي: “أوز! أنت أوز؟ أين الرأس الكبير؟”
وقال خيال الفزّاعة: “وأين السيدة الفاتنة؟”
وقال الحطّاب: “وأين الوحش المخيف؟”
وقال الأسد: “وأين كرة اللهب؟”
قال الرجل العجوز في خنوع: “إنكم جميعًا مخطئون. لقد كنت أخدعكم، كل ذلك كان مجرد حيل.”
صاحت دوروثي: “ألست الساحر العظيم؟”
فقال أوز في خوف: “صه يا عزيزتي! أرجوكِ لا تتحدثِ بصوت عال، وإلا سيسمعونك ويُقضى علي. فهم يظنون أنني الساحر العظيم.”
فقالت الفتاة: “أولست كذلك؟”
قال: “لست كذلك البتة، ما أنا إلا رجلٌ عاديٌّ.”
فقال الفزّاعة بصوت حزين: “كلا. إنك أكثر من هذا، أنت محتال حقير.”
قال العجوز القصير وهو يفرك يده وكأن الوصف راق له، “نعم، أنا محتال.”
فقال الحطّاب: “لكن هذا مريع، كيف سأحصل على قلبٍ إذن؟”
قال الأسد: “وكذا الحال مع شجاعتي.”
وقال خيال الفزّاعة وهو يجفف دموعه بكم معطفه: “وكذا عقلي.”
فقال العجوز القصير: “أتوسل إليكم يا أصدقائي الأعزاء، ألا تتحدثوا عن صغائر الأمور وفكروا في المأزق الذي سأكون فيه إن افتضح أمري.”
قالت الفتاة: “ألا يعرف أحد آخر أنك محتال؟”
قال أوز: “لا أحد يعلم بأمري إلا أنتم الأربعة. لقد خدعت الجميع لوقت طويل حتى ظننت أن أمري لن يفتضح أبدًا. لقد أخطأت حين سمحت لكم بدخول غرفة العرش. فأنا لا أرى أحدا، حتى أتباعي وعليه يغلب على ظنّهم أنني شيء رهيب.”
فقالت دوروثي: “لكني لا أفهم كيف ظهرت لي على شاكلة رأس كبير؟”
أجابها: “كانت هذه واحدة من خدعي. تعالوا من هنا وأنا سأخبركم بالأمر كله.”
ثم تقدمهم إلى غرفة صغيرة خلف غرفة العرش وتبعه الفريق. فأشار إلى زاوية وضع فيها الرأس الكبير، وقد صنعت من عدة طبقات من الورق والوجه مرسوم بعناية.
وقال: “علقت هذا بالسقف بخيط، وكنت أقف خلف الساتر وأجذب الخيط لأحرك العينين وأفتح الفم.”
فسألت دوروثي: “وماذا بشأن الصوت؟”
قال أوز: “آه. يمكنني إصدار أصوات فخيمة من بطني. ويمكنني أن أغير صوتي كلما أردت. فبدا لك وكأنه يخرج من الرأس. هذه هي الأشياء الأخرى التي استخدمتها في خداعكم.” وعرض على خيال الفزّاعة الثوب والقناع اللذين ارتداهما حين تظاهر بأنه سيدة جميلة.
وأرى الحطّاب الوحش المخيف الذي لم يكن إلا الكثير من الجلود وقد خيطت معًا وبها دعامات لتقيم جانبيها.
أما كرة اللهب فقد علقها الساحر المزيف من السقف، وكانت عبارة عن كرة من القطن وحين صب عليها الوقود اشتعلت بقوة.
قال خيال الفزّاعة: “عليك أن تخجل من نفسك، لأنك محتال.”
قال العجوز في أسى: “أنا كذلك. أنا كذلك بالتأكيد. لكنه الأمر الوحيد الذي بوسعي فعله، اجلسوا من فضلكم لدينا الكثير من الكراسي، وسأقص عليكم قصتي.”
فجلسوا واستمعوا إليه وهو يحكي الحكاية الآتية: “ولدت في أوماها.” فهتفت دوروثي: “إنها لا بتعد عن كانساس كثيرًا.”
قال أوز وهو يهز رأسه حزينًا: “نعم. لكنها تبعد كثيرًا عن هنا. حين كبرت صرت أتكلم من بطني، وقد دربني على ذلك معلم ماهر، فكان بوسعي أن أقلد أيّ نوع من الطيور والوحوش.” وأصدر صوتًا كمواء القطط. فالتفت توتو وراح يفتش عن ذلك الصوت. واصل أوز حديثه قائلًا: “وبعد فترة أصابني الضجر من هذا، فتعلمت كيف أقود المنطاد.” فسألت الفتاة: “وما ذاك؟”
قال: “قد كنت رجلا يطير بالمنطاد في يوم السيرك، فيجتمع عليه الناس ويجعلهم يدفعون لمشاهدة عروض السيرك.”
قالت الفتاة: “آه فهمت.”
أكمل حديثه: “حسنًا. في يوم من الأيام طرت في المنطاد، والتفت الحبال على بعضها فلم أستطع النزول. وطار المنطاد عاليًا بين الغيوم، حتى ضربته عاصفة وحملته بعيدًا لأميال. وفي صباح اليوم التالي استيقظت لأجد نفسي فوق بلاد غريبة وجميلة. فهبط المنطاد شيئًا فشيئًا، ولم أصب بأيّ أذى بأعجوبة لأجد نفسي بين أناس غرباء، ظنوا أني ساحرٌ عظيمٌ بعد أن رأوني آتيًا من بين الغيوم. وأنا بدوري أكدت لهم تلك الفكرة لأنهم كانوا خائفين مني وتعهدوا بفعل كل ما آمرهم به.
فأمرتهم ببناء هذه المدينة والقصر، إمتاعًا لنفسي وإشغالًا للناس الطيبين، وقد فعلوا طائعين ومذعنين. ثم فكرت في أن أسميها مدينة الزمرد، لأنها كانت شديدة الخضرة والجمال، ولأجعل الاسم ملائمًا أكثر ألبست الناس نظارات خضراء فيرون كل شيء أخضر.
فسألت دوروثي: “أوليس كل شيء هنا أخضر؟”
قال أوز: “ليس أكثر مما في أيّ مدينة أخرى، ما دمتِ تضعين نظارات خضراء فسيكون كل ما ترينه أخضر بطبيعة الحال.
بُنيت مدينة الزمرد قبل سنوات عديدة لأنني كنت شابًا حين هبط المنطاد هنا. وها قد صرت هرمًا الآن. ولأنّ أبناء شعبي يضعون النظارات الخضراء على أعينهم، منذ زمن بعيد، حتى ليظن معظمهم أنها مدينة زمردية حقًا، وأنها مكان جميل مطعم بالجواهر النفسية وكل ما يحتاجه المرء ليكون سعيدًا. لقد كنت طيبًا مع الناس فأحبوني، ولكن منذ بناء هذا القصر حبست نفسي ولم أر أيًا منهم بعد ذلك.
كانت الساحرات أحد أكبر مخاوفي، لم يكن لي أيّ قوى سحرية، وعرفت أن الساحرات قادرات على فعل أمور عجيبة. وكانت في هذه البلاد أربع منهن، وقد حكمن الناس الذين يعيشون شمالًا، وجنوبًا، وشرقًا، وغربًا. وكانت ساحرتا الشمال والجنوب طيبتين لحسن الحظ، وعرفت أنهما لن تؤذياني. لكن ساحرتي الشرق والغرب شريرتان للغاية ولولا أنهما ظنتا أنّي أفوقهما قوة لقضتا عليَّ حتمًا. ولما كانت هذه هي الحال عشت في خوف مُهلك منهما لسنوات طويلة.
فبوسعكم أن تتخيلوا كم كنت سعيدًا، حين سمعت أن بيتك قد سقط على ساحرة الشرق الشريرة، وكنت مستعدًا أن أعدكم بأي سيء حين جئتم إلي، إن استطعتم التخلص من الساحرة الأخرى فحسب. ولكن الآن قد قضيتم عليها وأنا أشعر بالخجل لأني لا أستطيع الوفاء بوعدي.”
قالت الفتاة: “أظن أنك رجل سيئ للغاية.”
رد أوز: “كلا يا عزيزتي. إنني رجل طيب للغاية، لكني ساحر سيئ للغاية. عليَّ الاعتراف بذلك.”
قال خيال الفزّاعة: “ألا يمكنك أن تعطيني عقلًا؟”
قال أوز: “لست بحاجة له، فأنت تتعلم كل يوم شيئًا جديدًا، فللطفل عقل لكن لا يعرف الكثير. إنّ التجربة هي الأمر الوحيد الذي يمنحك المعرفة، وكلما طال بقاؤك على الأرض، فستمر بتجارب أكثر حتمًا وستتعلم منها وتكتسب المعارف.”
قال خيال الفزّاعة: “قد يكون كلامك صحيحًا، لكني سأكون في غاية التعاسة إن لم تمنحني عقلًا.”
نظر الساحر المزيف إليه باهتمام، ثم تنهد وقال: “حسنًا. أنا لست ساحرًا كما قلت، لكن إن أتيت غدًا في الصباح سأحشو رأسك بالعقل، لكن ليس بوسعي تعليمك كيف تستخدمه، عليك أن تكتشف ذلك بنفسك.”
صاح خيال الفزّاعة: “شكرًا. شكرًا لك. سأجد طريقة لاستخدامه، لا تقلق.”
فسأله الأسد: “ماذا عن شجاعتي إذًا؟”
قال أوز: “أنا واثق أن لديك الكثير من الشجاعة، كل ما تحتاجه أن تثق بنفسك. ليس هنا كائن حي لا يشعر بالخوف حين يواجه الخطر، والشجاعة الحقيقية تكمن في مواجهة الخطر رغم الشعور بالخوف، وأنت قد واجهة سلفا مخاوف لا تحصى وتغلّبت عليها.”
قال الأسد: “ربما تكون على حق، لكني خائف فعلا، وسأكون في غاية التعاسة إن لم تمنحني الشجاعة التي تجعل المرء ينسى مخاوفه.”
قال أوز: “حسنًا، سأمنحك هذه الشجاعة غدًا.”
سأل الحطّاب: “وماذا عني؟”
قال أوز: “أظن أنك مخطئًا لأنك ترغب بالحصول على قلب. فهو يجعل معظم الناس تعيسين. إنك محظوظ لأنك لا تملك قلبًا، ليتك تدرك هذا.”
قال الحطّاب: “هذه مسألة آراء ووجهات نظر، بالنسبة لي سأتحمل كلّ التعاسة دون تذمر إن منحتني القلب.”
قال أوز: “حسنًا تعال إليَّ غدًا وستحصل على قلب. لقد أديت دور الساحر لسنوات طويلة وبوسعي أن أواصل فعل ذلك لوقت أطول.”
قالت دوروثي: “والآن كيف سأعود إلى كانساس؟”
قال أوز: “علينا أن نفكر بذلك، امنحيني يومين أو ثلاثة لأفكر بالأمر، وسأحاول العثور على طريقة لحملك عبر الصحراء
وأثناء ذلك ستعاملين كضيفتي وسيكون أتباعي في خدمتك وسيلبون كلّ أمنياتك مهما كانت. لدي أمر واحد فقط أطلبه منكم مقابل مساعدتكم، عليكم ألا تفشوا سري، ولا تخبروا أحد أنني محتال.”
وافق الأصدقاء على ألا يقولوا شيئًا مما عرفوه، وعادوا إلى غرفهم بمعنويات مرتفعة حتى أنّ دوروثي كانت تأمل أن يجد ذلك “المحتال العظيم الرهيب”، كما أسمته، طريقة تعيدها إلى كانساس، وكانت مستعدة للصفح عنه إن فعل ذلك.
الفصل 16: فن الخداع السحري العظيم
قال خيال الفزّاعة: “هنئوني، إنني متجه إلى أوز لأنال عقلي أخيرًا. عندما أعود، سأكون كغيري من الناس.”
أجابت دوروثي، قائلة: “لقد أحببتك دائمًا كما كنت.”
فرد عليها خيال الفزّاعة: “إنه لأمر لطيف منك أن تحبي خيال فزّاعة مثلي، لكن بالتأكيد ستظنين بي خيرًا أكثر عندما تسمعين الأفكار الرائعة التي سينتجها عقلي الجديد.” ثمّ ودّعهم جميعًا بصوت مرح وتوجه إلى غرفة العرش، حيث طرق الباب.
وحينما طُرِقَ الباب قال أوز: “تفضل بالدخول.”
دخل خيال الفزّاعة ووجد الرجل القصير جالسًا بجوار النافذة، غارقًا في تفكير عميق.
قال خيال الفزّاعة، بشيء من الاضطراب: “لقد جئت من أجل عقلي.”
أجاب أوز: “آه، نعم. اجلس على ذلك الكرسي من فضلك. يجب أن أعتذر لك عن خلع رأسك، لكنني مضطر لذلك لأضع عقلك في مكانه الصحيح.”
قال خيال الفزّاعة: “لا بأس بذلك. يمكنك بكل ترحيب أن تخلع رأسي، ما دام سيصبح أفضل عند إعادته إلى مكانه. “

ثم أقدم الساحر على فك رأس خيال الفزّاعة وإخراج القش منه، ثم دخل الغرفة الخلفية وأخذ قدرًا من النخالة، وخلطها مع الكثير من الإبر والدبابيس، بعد أن خلطهما معًا بعناية، ملأ أعلى رأس خيال الفزّاعة بهذا الخليط وحشى بقيته بالقش ليثبته في مكانه.
وبعد أن رَكَّب رأس خيال الفزّاعة مجددًا على جسده، قال له: “من الآن فصاعدًا ستكون إنسانًا عظيمًا، فقد منحتك مزيجًا عظيمًا من العقول.”
ولمَّا تحقق لخيال الفزّاعة أعظم أمانيه، غمرته أحاسيس الفخر والسعادة، فأعرب عن شكره لأوز بكلّ امتنان، ثم اتجه عائدًا إلى أصدقائه المحبوبين.
نظرت دوروثي إلى خيال الفزّاعة بفضول. كان أعلى رأسه منتفخًا تمامًا بسبب مزيج العقول الذي أُضيف.
فسألته الفتاة: “كيف تشعر؟”
فأجابها قائلًا: “أشعر بالحكمة حقًا، وعندما أعتاد على رأسي الجديد، سأنال جميع المعارف.”
سأل الرجل الصفيح خيال الفزّاعة: “لماذا تبرز هذه الإبر والدبابيس من رأسك؟”
فأجاب الأسد قائلًا: “إن ذلك لدليل على الذكاء.”
ردّ الحطاب الصفيح قائلًا: “حسنًا، يجب أن أذهب إلى أوز لأحصل على قلبي.” وذهب هو الآخر إلى غرفة العرش وطرق الباب. ولما ذهب، دعاه أوز للدخول، فدخل وقال: “لقد جئت لأحصل على قلبي.”
وافق الرجل القصير بابتسامة ودودة، ثم قال: “لكن يتوجب عليّ أن أصنع فتحة في صدرك، حتى أتمكن من وضع قلبك في المكان المناسب. آمل ألا يسبب لك أيّ ألم.”
فأجابه الرجل الصفيح بصوت ثابت: “آه، لا، لن أشعر بأي شيء.”
ثم جلب أوز مقصات حدّاد وبدأ في قطع فتحة صغيرة مربعة في الجهة اليسرى من صدر الرجل الصفيح. ثم ذهب إلى صندوق الأدراج وأخرج قلبًا جميلاً مصنوعًا بالكامل من الحرير ومحشوًا بالنشارة.
ولما انتهى الأمر: سأله أوز مبتسمًا: “أليس جميلاً؟”
فأجابه الرجل الصفيح والفرحة بادية عليه: “نعم، حقًا! لكن أحنونٌ هذا القلب؟”
رد أوز بثقة: “آه، نعم، بالطبع!” ثم وضع القلب الجميل في صدر الرجل الصفيح واستبدل قطعة القصدير المربعة، ثم قام بلحم مكان القطع بدقة.
“إليك الآن قلبًا يمكن لأي رجل أن يفتخر به. أعتذر لأنني اضطررت لوضع لحام على صدرك، ولكن لم يكن لدي خيار آخر.”
صاح الرجل الصفيح السعيد وقال: “لا يهم ذلك، إنني ممتن جدًا لك، ولن أنسى كرمك هذا أبدًا.”
فأجابه أوز بلطف: “لا شكر على واجب.”
ثم عاد الرجل الصفيح إلى أصدقائه، الذين باركوا له بسعادة كبيرة على حظه السعيد.
والآن جاء دور الأسد، فما لبث أن ذهب إلى غرفة العرش وطرق بحذر على الباب، فدعاه أوز بصوت حنون.
أعلن الأسد مطلبه وهو يدخل الغرفة فقال: “لقد جئت لأنال شجاعتي التي وعدتني إيّاها.”
أجاب أوز: “حسنًا، سأحضرها لك.”
ذهب أوز إلى خزانة وبلغ موضع رف عالٍ وأخذ منها زجاجة خضراء مربعة، وقام بسكب محتوياتها في طبق أخضر ذهبي عليه نقش جميل. ولما انتهى، وضع الساحر هذا الطبق أمام الأسد الجبان، الذي نظر إليه باحتقار كأنه لم يعجبه، وأمره بالشرب.
سأل الأسد: “ما هذا؟”
أجاب أوز: “سيغدو هذا شجاعة حينما تبتلعه. تعلم بالطبع، أن الشجاعة دائما ما تنبع من داخل الإنسان؛ لذا فإن هذا لا يمكن أنْ يسمى بالشجاعة حقًا حتى تبتلعه. لذا، أنصحك بشربه في أسرع وقت ممكن.”
لم يتردد الأسد بعد ذلك فشرب حتى أنتهى الطبق. ولما انتهى منه، سأله أوز قائلًا: “كيف تشعر الآن؟”
فأجابه الأسد: “إنني مليء بالشجاعة.” ثم عاد بفرح إلى أصدقائه ليقص عليهم حظه السعيد.
ظل أوز وحيدًا، وارتسمت على شفتيه ابتسامة راضية وهو يتأمل نجاحه في منح خيال الفزّاعة والرجل الصفيح والأسد ما كانوا يظنون أنهم بحاجة إليه. وقال في نفسه: “كيف يمكنني ألا أكون مخادعًا، عندما يجبرني هؤلاء الحمقى على فعل أشياء يعلم الجميع أنها مستحيلة؟ كان من السهل أنْ أجعل خيال الفزّاعة والأسد والرجل الصفيح سعداء، لأنهم كانوا يتصورون أنني أستطيع فعل أيّ شيء. لكن نقل دوروثي إلى كانساس يتطلب أكثر من مجرد خيال، وأنا حقًا لا أعرف كيف يمكن تحقيق ذلك.”
الفصل 17: كيف أُطلق المنطاد
لمدة ثلاثة أيام، لم تسمع دوروثي شيئًا من أوز، وكانت تلك أيامًا كئيبة بالنسبة لها، رغم أنّ أصدقاءها كانوا جميعًا في غاية السعادة والرضا. أخبرهم خيال الفزّاعة أنّ هناك أفكارًا رائعة تدور في رأسه، لكنه لم يفصح عنها، إذ كان يعلم أنْ لا أحد سيفهمها غيره. أما الرجل الصفيح، فكان يشعر بقلبه ينبض في صدره كلما تحرك، وأخبر دوروثي أنه اكتشف أن قلبه الجديد أحن وأكثر رقة من القلب الذي كان يملكه عندما كان مخلوقًا من لحم ودم. أمّا الأسد، فقد أعلن أنه لم يعد يخاف شيئًا في هذه الدنيا، وأنه مستعد لمواجهة جيش أو عشرات من الكاليدا المتوحشة.
وهكذا، كان كل فرد من المجموعة الصغيرة راضيًا وسعيدًا باستثناء دوروثي، التي كانت تتوق أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى كانساس.
في اليوم الرابع، لحسن حظها، أرسل أوز في طلبها، ولما ذهبت إليه ودخلت غرفة العرش استقبلها بلطف قائلاً: “اجلسي، عزيزتي؛ أعتقد أنني وجدت طريقة لإخراجك من هذا البلد.”
سألت الفتاة بلهفة: “والعودة إلى كانساس؟”
قال أوز: “حسنًا، لست متأكدًا بشأن كانساس، لأنني لا أملك أدنى فكرة عن الاتجاه الذي تقع فيه. لكن أول شيء يجب فعله هو عبور الصحراء، وبعد ذلك سيكون من السهل العثور على طريقك إلى المنزل.”
استفسرت دوروثي قائلةً: “كيف يمكنني عبور الصحراء؟”
فأجاب أوز: “حسنًا، سأخبرك بما أفكر فيه، عندما جئت إلى هذا البلد جئت في منطاد. وأنتِ أيضًا جئتِ عبر الهواء، حيث حملك إعصار إلى هنا أليس كذلك؟ لذا، أعتقد أنّ أفضل طريقة لعبور الصحراء ستكون عبر الهواء. الآن، من المستحيل بالنسبة لي أن أصنع إعصارًا؛ لكنني فكرت في الأمر، وأعتقد أنني قادر على صنع منطاد.”
سألت دوروثي: “كيف؟”
قال أوز: “المنطاد يصنع من الحرير، الذي يطلى بالغراء ليحتفظ بالغاز بداخله. لدي الكثير من الحرير في القصر، لذا لن تكون هناك مشكلة في صنع المنطاد. لكن في هذا البلد لا يوجد غاز لملء المنطاد ليطفو.”
فعلقت الفتاة: “إذا لم يطف فلن يكون له أي فائدة لنا.”
أجاب أوز: “هذا صحيح، لكن هناك طريقة أخرى لجعله يطفو، وهي ملؤه بالهواء الساخن. الهواء الساخن ليس بجودة الغاز، لأنه إذا برد سيهبط المنطاد في الصحراء وسنضيع إثر ذلك.”
صاحت الفتاة قائلةً: “من تقصد بنحن؟ هل ستذهب معي؟”
أجاب أوز: “نعم، بالطبع لقد تعبت من كوني مخادعًا. إذا خرجت من هذا القصر، سيكتشف شعبي قريبًا أنني لست ساحرًا، وسيغضبون مني لخداعهم. لذا عليّ أن أبقى محبوسًا في هذه الغرف طوال اليوم، وهذا ملل لا يطاق. أفضل كثيرًا أن أعود إلى كانساس معكِ وأعمل في السيرك مرة أخرى.”
قالت الفتاة: “إنه لأمر عظيم، ويسعدني أن رفيقتك في تلك الرحلة.”

شكرَ أوز دوروثي وقال: “الآن، إذا ساعدتني في خياطة الحرير معًا، سنبدأ العمل على منطادنا.”
فأخذت دوروثي إبرة وخيطًا، وبمجرد أن قطع أوز شرائح الحرير بالشكل المناسب، قامت الفتاة بخياطتها معًا بعناية. كانت هناك شريحة من الحرير الأخضر الفاتح، ثمّ شريحة من الأخضر الداكن، ثمّ شريحة من الأخضر الزمردي؛ إذ أراد أوز أن يكون المنطاد بألوان مختلفة من اللون المحيط بهم. استغرقت عملية الخياطة ثلاثة أيام، وعندما انتهوا، كان لديهم كيس كبير من الحرير الأخضر يزيد طوله عن عشرين قدمًا.
ثمّ قام أوز بطلاء الكيس من الداخل بطبقة رقيقة من الغراء لجعل الهواء محكمًا، وبعد ذلك أعلن أنّ المنطاد جاهز.
قال أوز: “لكننا بحاجة إلى سلة لنركب فيها.” فأرسل الجندي ذو اللحية الخضراء لإحضار سلة الملابس الكبيرة، وربطها بعدة حبال في أسفل المنطاد.
وعندما أصبح كلّ شيء جاهزًا، أرسل أوز خبرًا لشعبه بأنه سيقوم بزيارة إلى ساحر عظيم يعيش في السحاب. انتشر الخبر بسرعة في جميع أنحاء المدينة وجاء الجميع لمشاهدة هذا المشهد الرائع.
أمر أوز بإخراج المنطاد أمام القصر، وألقى الناس نظرات فضولية عليه. كان الحطّاب الصفيح قد قطع كومة كبيرة من الخشب، وأشعل منها نارًا، وأمسك أوز بأسفل البالون فوق النار حتى يتمكن الهواء الساخن المتصاعد منها من الاندفاع إلى الكيس الحريري. تدريجيًا، انتفخ البالون وارتفع في الهواء، حتى كاد السلة تلامس الأرض بالكاد.
ثم صعد أوز إلى السلة وقال بصوت عالٍ للجميع: “سأذهب الآن في زيارة. أثناء غيابي، سيتولى خيال الفزّاعة أمور الحكم. آمركم بأن تطيعوه كما تطيعونني.”
في ذلك الوقت، كان المنطاد يشد الحبل الذي يثبته على الأرض بقوة، حيث إن الهواء الساخن بداخله جعله أخف وزنًا بكثير من الهواء المحيط به، مما زاد من قوة اندفاعه نحو السماء.
صرخ الساحر: “تعالي، دوروثي! أسرعي، قبل أن يطير المنطاد بعيدًا.”
أجابت دوروثي، التي لم ترغب في ترك كلبها الصغير خلفها: “لا أستطيع أن أجد توتو في أيّ مكان.”
إذ كان قد ركض بين الجموع لينبح على إحدى القطط، لكن دوروثي وجدته في النهاية، والتقطته وركضت به نحو المنطاد.
كانت على بعد خطوات قليلة منه، وكان أوز يمد يديه لمساعدتها في الصعود إلى السلة، وحينئذٍ، انقطعت الحبال، وارتفع المنطاد في الهواء دون أن تركب دوروثي. صاحت الفتاة قائلةً: “ارجع! أريد الذهاب أيضًا!”
فرد عليها أوز من السلة: “لا أستطيع العودة، يا عزيزتي، وداعًا!”
صاح الجميع وقالوا: “وداعًا! ورفعوا أنظارهم إلى الأعالي حيث كان الساحر يركب في السلة، وهم يرونه يرتفع كل لحظة أعلى وأعلى في السماء.
وذلك كان آخر ما رأوه من أوز، الساحر العجيب، ورغم أنه ربما وصل بأمان إلى أوماها، وقد يكون هناك الآن بالفعل. لكن الناس تذكروا حبه لهم، وقالوا لبعضهم: “كان أوز دائمًا صديقًا لنا. عندما كان هنا، بنى لنا هذه المدينة الزمردية الجميلة، والآن وقد رحل، ترك لنا خيال الفزّاعة الحكيم ليحكمنا.” ومع ذلك، فقد حزنوا لعدة أيام على فقدان الساحر العجيب، ولم يجدوا عزاءً لذلك.
الفصل 18: رحلة إلى الجنوب
بكت دوروثي بحرقة لفقدان أملها في العودة إلى كنساس، ولكن عندما تأملت الأمر بعمق، شعرت بالارتياح لعدم صعودها في المنطاد. وأحست بالحزن لفقدان أوز، ولم يكن رفاقها أقل حزناً منها.
اقترب منها الرجل الصفيح وقال: “حقاً سأكون ناكراً للجميل إن لم أحزن على الرجل الذي منحني قلبي النابض بالمشاعر. أود أن أبكي قليلاً لأن أوز قد رحل، فهل لك أن تمسحي دموعي حتى لا أصدأ؟”
أجابته الفتاة: “بكل سرور.” وأحضرت منشفة على الفور. بكى الرجل الصفيح لعدة دقائق، بينما كانت دوروثي تراقب دموعه وتمسحها بعناية بالمنشفة. وعندما انتهى، شكرها بلطف ودهن نفسه جيداً بزيت من علبته المرصعة بالجواهر ليحمي نفسه من الصدأ.
أما خيال الفزّاعة، فقد أصبح الآن حاكم مدينة الزمرد، ورغم أنه لم يكن ساحرًا، افتخر الناس به. وبينوا سبب فخرهم على هذا النحو: “قالوا إنه لا توجد مدينة أخرى في العالم يحكمها رجل محشو بالقش.” وكانوا على حق بقدر ما كانوا يعلمون.
في صباح اليوم التالي لرحيل أوز بالمنطاد، اجتمع المسافرون الأربعة في غرفة العرش وتباحثوا في الأمور. جلس خيال الفزّاعة على العرش الكبير بينما وقف الآخرون أمامه باحترام.
وهكذا كان قول الحاكم الجديد: “لننظر للأمر بإيجابية فمن حسن حظّنا أنّ هذا القصر ومدينة الزمرد ملك لنا، ويمكننا أن نفعل ما نشاء. عندما أتذكر أنه قبل فترة قصيرة كنت معلقًا على عمود في حقل ذرة، وأنني الآن حاكم هذه المدينة الجميلة، أشعر بالرضا عن حالي.”
قال الرجل الصفيح: “وأنا أيضاً راضٍ عن قلبي الجديد؛ وبصراحة، كان ذلك الشيء الوحيد الذي تمنيته في العالم كله.”
أما الأسد فقال بتواضع: “وأنا، أشعر بالرضا لأنني أعلم أنّني شجاع مثل أي وحش عاش يوماً ما، إن لم أكن أشجع من ذلك.”
قال خيال الفزّاعة: “لو أن دوروثي تقبلت العيش في مدينة الزمرد لكنا سعداء جميعاً.”
لكن دوروثي صاحت قائلةً: “لكنني لا أريد العيش هنا، أريد العودة إلى كانساس، والعيش مع عمتي إم وعمي هنري.”
سأل الرجل الصفيح: “حسناً، إذن، ما الذي يمكن فعله؟”
فكر خيال الفزّاعة بجدية حتى بدأت الدبابيس والإبر تخرج من رأسه. وأخيراً، قال: “لماذا لا نستدعي القردة المجنحة ونطلب منها أن تحملكِ عبر الصحراء؟”
قالت الفتاة بفرح: “لم أفكر في ذلك! إنه الحل الأمثل. سأذهب فوراً لأحضر القبعة الذهبية.”
ولما أحضرتها إلى غرفة العرش، نطقت بالكلمات السحرية، وسرعان ما طارت فرقة القردة المجنحة من النافذة المفتوحة ووقفت بجانبها.
انحنى ملك القردة أمام الفتاة الصغيرة، ثم قال: “هذه هي المرة الثانية التي تستدعينا فيها. بمَ تأمرين؟”
قالت دوروثي: “أريد أن تطيروا بي إلى كنساس.”
لكنّ ملك القردة هز رأسه وقال: “لا يمكن لهذا أن يحدث.” ثم تابع قائلًا: “نحن ننتمي إلى هذا البلد وحده، ولا نستطيع مغادرته. لم يظهر قرد مجنح في كانساس حتى الآن، وأعتقد أنه لن يظهر أبدًا، لأنهم لا ينتمون إلى هناك. إننا سعداء بخدمتك فيما نستطيع فعله، ولكن عبور الصحراء ليس بمقدورنا. إلى اللقاء.”
وانحنى تحيةً لها ثم فرد جناحيه وطار خارج النافذة، وتلته جميع أفراد جماعته.
كادت دوروثي أن تبكي إثر الخيبة التي جلبها هذا الحدث. وقالت معبرةً عن حالها: “لقد أضعت سحر القبعة الذهبية بدون جدوى لأن القرود المجنحة عاجزة عن مساعدتي.”
وقال الرجل الصفيح ذو القلب الحنون: “بالتأكيد، إنه لأمر سيء حقًا!”
فكر خيال الفزّاعة مرة أخرى، وإثر ذلك، بدأ رأسه يتورم بشكل مخيف حتى خافت دوروثي أن ينفجر.
حينئذٍ قال خيال الفزّاعة: “لنستدعي الجندي ذو اللحية الخضراء، ونطلب منه النصيحة.”
فاستدعي الجندي، ودخل غرفة العرش والخجل بادٍ عليه، إذ أنه لم يسمح له أبدًا تجاوز الباب حينما كان أوز على قيد الحياة.
سأل الفزّاعة الجندي: “تريد هذه الفتاة الصغيرة أن تعبر الصحراء. كيف يمكنها فعل ذلك؟”
فأجاب الجندي: “لا أعرف ما هي النصيحة التي يجب أن أسديها لك، فلم يستطع أحد عبور هذه الصحراء من قبل، إلا إذا أوز نفسه.”
سألت دوروثي بجدية: “أليس هناك أحد بمقدوره أن يساعدني؟” فأجابها الجندي: “ربما جليندا.”
سأل خيال الفزّاعة: “من تكون جليندا هذه؟”
وكان الجواب: “إنها ساحرة الجنوب. إنها الأقوى بين جميع السحرة، وتحكم قوم الكوادلينغز. بالإضافة إلى ذلك، تقع قلعتها على حافة الصحراء، لذا قد تعرف طريقة لعبورها.”
سألت الطفلة: “جليندا ساحرة طيبة، أليس كذلك؟”
أجاب الجندي: “يعتقد قوم الكوادلينغز أنها طيبة، وهي لطيفة مع الجميع. سمعت أنها امرأة فاتنة الجمال ويرجع ذلك لتمكنها من معرفة الوسائل التي تمكنها من حفظ شبابها على الرغم من العمر المديد الذي عاشته.”
سألت دوروثي: “كيف يمكنني الوصول إلى قلعتها؟”
أجاب الجندي: “اسلكي الطريق الممتد إلى الجنوب وستصلين إلى هنالك، لكن يقال أنّه مليء بالمخاطر التي قد تفتك بمن يسلكه. فثمة حيوانات برية في الغابات، وجنس من الغرباء الذين لا يحبون أن يعبر الناس بلادهم. لهذا السبب، لا يأتي أحد من شعب الكوادلينغز أبدًا إلى مدينة الزمرد.” أكمل الجندي كلامهم ثم انصرف.
قال خيال الفزّاعة: “على الرغم من المخاطر، يبدو أن أفضل ما يمكن عمله لدوروثي هو السفر إلى أرض الجنوب وطلب مساعدة جليندا. لأنه بالطبع، إذا بقيت دوروثي هنا، فلن تعود إلى كانساس أبدًا.”
علّق الرجل الصفيح قائلًا: “لا بد أنك كنت تفكر مجددًا.” فقال خيال الفزّاعة: “أجل.”
بعد صمت طويل أعلن الأسد رأيه فقال: “سأذهب مع دوروثي، لأنني متعب من مدينتكم وأشتاق للغابات والريف مرة أخرى. أنا وحش بري، كما تعلمون. بالإضافة إلى ذلك، ستحتاج دوروثي إلى من يحميها.”
قال الرجل الصفيح، وهو يفكر بعمق: “ذلك صحيح، قد تكون فأسي مفيدة لها، ولذا سأذهب أنا أيضًا معها إلى أرض الجنوب.”
سأل خيال الفزّاعة: “متى سننطلق؟”
فسأله الحضور مصدومين: “هل ستأتي معنا؟”
فقال: “بالتأكيد، لو لم تكن دوروثي هنا، لما أردت العقل والحكمة. لقد أنقذتني من عمود في حقل الذرة وأحضرتني إلى مدينة الزمرد. فكل حظي الطيب هذا راجع إليها، ولن أتركها أبدًا حتى ترجع إلى كانساس.”
قالت دوروثي بامتنان: “شكرًا لكم يا أصدقائي، أنتم جميعًا لطفاء جدًا معي. ولكنني أرغب في الانطلاق في أقرب وقت ممكن.”
أجاب خيال الفزّاعة بحكمته: “سنغادر صباح اليوم التالي، فلنستعد جميعًا الآن، ستكون هذه الرحلة طويلة.”
الفصل 19: هجوم الأشجار المقاتلة
في صباح اليوم التالي، قبّلت دوروثي الفتاة الخضراء الجميلة مودعةً إياها، وصافحوا جميعًا الجندي صاحب اللحية الخضراء، الذي رافقهم حتى البوابة. وعندما رأى حارس البوابة أصدقاءنا مجددًا، استغرب كيف يمكنهم مغادرة هذه المدينة البهية ليتجهوا نحو متاعب جديدة. لكنه، بلا تردد، أزال نظاراتهم وأعادها إلى الصندوق الأخضر، وتمنى لهم من أعماق قلبه الكثير من الأمنيات الطيبة، لتكون رفيقةً لهم في رحلتهم المقبلة.
قال الحارس موجهاً كلامه إلى خيال الفزّاعة: “أنت الآن حاكمنا، لذا يجب أن تعود إلينا في أقرب وقت ممكن.”
ردّ الفزّاعة بثقة: “بالتأكيد سأفعل إن استطعت، لكن يجب أن أساعد دوروثي في العودة إلى وطنها أولاً.”
ودّعت دوروثي الحارس الطيب بقولها: “لقد تلقيت معاملة كريمة في مدينتكم الرائعة، وكان الجميع طيبين معي. لا أستطيع أن أعبر لكم عن مدى امتناني.”
فأجابها بودٍ قائلاً: “لا عليك، يا عزيزتي. كنا نود أن نبقيك معنا، لكن إذا كانت رغبتك العودة إلى كانساس، آمل أن تجدي طريقة لذلك.” ثم فتح بوابة السور الخارجي، وخرجوا لينطلقوا في رحلتهم.
كانت الشمس تشرق ببريقها الساطع بينما كان أصدقاؤنا يتوجهون نحو أرض الجنوب. كانوا جميعًا في أبهى حالاتهم، يضحكون ويتحدثون معًا. كانت دوروثي مفعمة بالأمل مرة أخرى في العودة إلى منزلها، وكان خيال الفزّاعة والرجل الصفيح فرحين بكونهما في خدمتها.
أما الأسد، فقد استنشق الهواء النقي بفرح، محركًا ذيله من جانب لآخر بسعادة غامرة لأنه عاد إلى الخلاء مرة أخرى، بينما كان توتو يركض حولهم، يطارد الفراشات والعث، وينبح بمرح طوال الوقت.
قال الأسد وهو يمشي بخطى سريعة: “حياة المدينة لا تناسبني على الإطلاق. لقد فقدت الكثير من وزني منذ أن عشت هناك، والآن أنا متحمس لفرصة لإظهار مدى شجاعتي للحيوانات الأخرى.”
وفي هذه اللحظة، التفتوا جميعًا وألقوا نظرة أخيرة على مدينة الزمرد. كل ما كان يمكنهم رؤيته هو كتل من الأبراج والقمم تتلألأ خلف الجدران الخضراء، وعالياً فوق كل شيء، ظهرت القباب والقمم الشامخة لقصر أوز.
قال الحطّاب: “لم يكن أوز ساحرًا سيئًا، على أية حال.” وهو يشعر بقلبه المعدني يهتز داخل صدره.
قال خيال الفزّاعة: “لقد عرف كيف يمنحني عقلًا، وقد منحني عقلًا جيدًا بالفعل.”
أضاف الأسد: “لو أن أوز تناول جرعة من الشجاعة التي أعطاني إياها، لكان رجلا أكثر شجاعة.”
لم تقل الفتاة شيئًا. لم يفِ أوز بوعده لها، لكنه بذل قصارى جهده، لذا سامحته. وكما قال، كان رجلاً طيبًا، حتى لو لم يكن ساحرًا ماهرًا.
كان هذا اليوم الأول من رحلتهم عبر الحقول الخضراء والزهور البراقة التي امتدت حول مدينة الزمرد من كلّ جانب. قضى المغامرون ليلتهم نائمين على العشب، لا يعلوهم سوى النجوم، ونعموا بقسط وافر من الراحة.
وفي الصباح، واصلوا رحلتهم حتى بلغوا غابة كثيفة. لم يكن هناك سبيل للالتفاف حولها، إذ بدت تمتد إلى اليمين واليسار على مرمى بصرهم. ولم يجرؤوا على تغيير اتجاه رحلتهم خوفًا من الضياع. لذا، شرعوا في البحث عن مدخل يسهل عليهم اختراق الغابة.

وجد خيال الفزّاعة الذي كان في المقدمة، شجرة كبيرة ذات فروع واسعة تتيح مساحة للمرور من تحتها. فتقدم نحو الشجرة، لكن، للأسف، عندما بلغ أول فرع منها، التفت الأغصان حوله وفي اللحظة التالية رفعته من الأرض وقذفته بقوة بين أصدقائه.
صاح الأسد: “هنا مساحة أخرى بين الأشجار!”
لم يُصب خيال الفزّاعة بأذى، لكنه كان مصدومًا بعض الشيء، وبدا عليه الدوار قليلاً عندما التقطته دوروثي.
قال خيال الفزّاعة: “دعني أجرب مرة أخرى، لأنني لا أشعر بالألم إذا أُلقيت بعيدًا.”
وسار نحو شجرة أخرى وهو يتحدث، لكن فروعها أمسكت به فورًا وألقت به مرة أخرى.
صاحت الفتاة قائلةً: “هذا غريب، ماذا سنفعل؟”
قال الأسد: “يبدو أن الأشجار قد قررت أن تحاربنا وتعترض طريقنا.”
قال الحطّاب: “أعتقد أنني سأجرب بنفسي.” ثم حمل فأسه وتوجه نحو الشجرة الأولى التي تعاملت بعنف مع خيال الفزّاعة. عندما ثنت فرعًا كبيرًا لالتقاطه، قام الحطّاب بتقطيعه بشراسة. وفورًا، بدأت الشجرة ترتجف وتهتز بكل فروعها كأنها في حال من الألم، ومر الحطّاب تحتها بأمان.
صاح للآخرين: “هيا! أسرعوا!”
وركضوا جميعًا إلى الأمام ومروا تحت الشجرة دون أذى، باستثناء توتو الذي أمسك به فرع صغير حتى صاح. لكن الرجل الحطّاب قطع الفرع على الفور وأطلق سراح الكلب الصغير.
لم تفعل الأشجار الأخرى في الغابة شيئًا لتعترض طريقهم، لذا ظنّ الأصدقاء أنَّ الصف الأول من الأشجار فقط يمكنه ثني أغصانه، وربما كانت هذه الأشجار حراس الغابة وقد مُنحت هذه القوة العجيبة لمنع الغرباء من دخولها.
سار المغامرون بين الأشجار حتى وصلوا إلى حافة الغابة البعيدة. ثم وجدوا أمامهم جدارًا عاليًا يبدو أنه مصنوع من الخزف الأبيض. كان ناعمًا، مثل سطح صحن، ومنتصبا عاليا فوق رؤوسهم.
قالت دوروثي: “ماذا نفعل الآن؟”
أجاب الحطّاب: “سأصنع سلمًا، لأننا بالتأكيد يجب أن نتسلق فوق الجدار.”

الفصل 20: بلد الخزف الجميل
بينما كان الرجل الصفيح يصنع سلمًا من الأخشاب التي وجدها في الغابة، استلقت دوروثي ونامت، فقد كانت متعبة من طول المسير. وتمدد الأسد لينال حاجته من النوم، وبجانبه استلقى توتو هو الآخر.
راقب خيال الفزّاعة الرجل الصفيح أثناء عمله، وقال له: “لا أستطيع أن أفهم سبب تواجد هذا الجدار هنا، ولا أدري مما هو مصنوع.”
أجابه الرجل الصفيح: “استرخ ولا تهتم بالجدار، عندما نتسلقه سنعرف ما الذي على الجانب الآخر.”
بعد جهد جهيد، أنهى فريق المغامرين صناعة السلم لتسلق الجدار العالي. كان السلم غير متناسق المظهر، لكن رجلهم الصفيح كان واثقًا من قوته وملاءمته لاحتياجاتهم. أيقظ خيال الفزاعة رفاقه من نومهم وأخبرهم بانتهاء العمل.
صعد خيال الفزاعة السلم أولاً بجسده المتهالك، فاضطرت دوروثي لمتابعته عن كثب حرصاً على سلامته. وبمجرد أن ارتفع رأسه فوق حافة الجدار، أطلق صيحة مذهولة “أوه يا إلهي!”. صرخت دوروثي بدورها “استمر!”، فأطاعها وارتقى أعلى حتى جلس على قمة الجدار. ألقت الفتاة نظرة وصاحت هي الأخرى بذهول “أوه يا إلهي!” تماماً كصديقها القشي.
تبعهم كلب دوروثي الصغير توتو، وانضم إلى صراخهما بنباحه الحاد قبل أن تهدئه صاحبته. ثم صعد الأسد بخطواته الثقيلة ليلتحق بالآخرين، تلاه الرجل الصفيح بمشيته المتهرئة. وما إن رأيا المشهد أمامهما حتى انضما إلى التعجب الصاخب.
كانت أمامهم بلاد خزفية عجيبة، أرضيتها ناصعة البياض كقاعدة طبق ضخم. وتناثرت فوقها بيوت صغيرة مصنوعة من الخزف وملونة بألوان زاهية. أكبرها لا يتعدى ارتفاعه خصر دوروثي. كما شاهدوا مزرعة جميلة محاطة بأسوار خزفية وقطعاناً من البقر والأغنام والخيول والخنازير والدجاج، كلها مصنوعة من الخزف.

لكن أغرب ما في هذا البلد العجيب كان سكانه. كان هناك نساء يحلبن الأغنام وراعيات يتزينّ بأزياء زاهية الألوان وفساتين تتلألأ بالبقع الذهبية؛ وأميرات بأثواب رائعة من الفضة والذهب والأرجوان؛ ورعاة بملابس قصيرة مخططة بالوردي والأصفر والأزرق وأحذية بأبازيم ذهبية؛ وأمراء بتيجان مرصعة بالجواهر وأردية من الفرو المزين وثياب من الساتان؛ ومهرجون بفساتين مبهرجة ووجوه مرسوم عليها دوائر حمراء وقبعات طويلة مذببة. لكن الأغرب من ذلك كله، أن هؤلاء الناس كانوا جميعًا مصنوعين من الخزف، حتى ملابسهم، وكانوا صغارًا جدًا لدرجة أن أطولهم لم يتجاوز ركبة دوروثي.
لم ينتبه أحد للغرباء في البداية سوى كلب خزفي صغير ذي لون أرجواني ورأس كبير. اقترب ونبح عليهم بصوت رقيق ثم عاد راكضاً. سألت دوروثي بحيرة “كيف سننزل؟”. لم يستطيعوا رفع السلم الثقيل فانزلقوا عنه بحذر حتى لا تصيب أقدامهم أرضية الخزف الصلبة. بالطبع كانوا حذرين كي لا يهبطوا على رأسه فتدخل الدبابيس في أقدامهم. ولما نزل الجميع بسلام، التقطوا خيال الفزّاعة الذي كان جسده قد تسطح تمامًا، وربتوا على قشه حتى عاد إلى شكله مرة أخرى.
قالت الفتاة: “يجب أن نعبر هذا المكان الغريب لنصل إلى الجانب الآخر، فليس من الحكمة أن نسلك طريقًا آخر غير الجنوب.”
بدأوا السير عبر بلاد الخزف، وأول ما واجهوه كانت سيدة خزفية تحلب بقرة خزفية هي الأخرى. عندما اقتربوا، فجأةً، ركلت البقرة الكرسي والدلو وحتى الخادمة نفسها، وسقط الجميع على الأرض الخزفية مسببين ضجة عالية.
شعرت دوروثي بالصدمة عندما رأت أن البقرة كسرت ساقها، والدلو كان متناثرًا في قطع صغيرة، بينما شُرخ مرفق الخادمة المسكينة.
صرخت السيدة غاضبة: “انظروا ماذا فعلتم! لقد كسرتم بقرتي وعلي إصلاحها الآن. لماذا تخيفونها هكذا؟”. حاولت دوروثي الاعتذار قائلة: “أنا آسفة جدًا، أرجوكِ سامحينا.” لكن السيدة المنزعجة تجاهلتها وانصرفت عارجة مع بقرتها المصابة، وهي تلقي نظرات حانقة على المارة الغرباء المتسببين في هذا الحادث، وهي تحتضن مرفقها المكسور.
شعرت دوروثي بالحزن الشديد لهذا الحادث.
قال الفزاعة: “يجب أن نكون حذرين جدًا هنا، وإلا قد نؤذي هؤلاء الناس الصغار الطيبين لدرجة لا يمكنهم التعافي منها أبدًا.”
وبعدَ أنْ تقدموا قليلا إلى الأمام، قابلت دوروثي أميرة شابة بأجمل الملابس، توقفت فجأة عندما رأت الغرباء وبدأت تركض بعيدًا.
أرادت دوروثي أن تعرف المزيد عن الأميرة، فركضت خلفها. لكن الفتاة الخزفية صرخت: “لا تطارديني! لا تطارديني!”
كان صوتها الصغير مفزوعًا لدرجة أن دوروثي توقفت وقالت: “ولم لا؟”
أجابت الأميرة، وقفد وقفت على مسافة آمنة: “لأنني إذا ركضت قد أسقط وأكسر نفسي.”
سألت الفتاة: “ولكن ألا يمكن إصلاحك؟”
فأجابتها الأميرة: “أجل، ولكنك تعلمين، لا يعود المرء جميلًا كما كان بعد الترميم.”
فردت دوروثي: “أوافقك الرأي.”
واصلت الأميرة الخزفية قولها: “هناك السيد جوكر، أحد مهرجينا الذي دائمًا ما يحاول الوقوف على رأسه. لقد كسر نفسه مرات عديدة لدرجة أنه مرمم في مئة مكان، ولا يبدو جميلًا على الإطلاق. ها هو آتٍ الآن، لكي تري بنفسك.”
بالفعل، كان هناك مهرج صغير مرح يتجه نحوهم، ورأت دوروثي أنه رغما عن ملابسه الجميلة الحمراء والصفراء والخضراء إلّا أنه كان مغطى بالكامل بالشروخ التي تمتد في كلّ اتجاه ويظهر بوضوح أنّه قد تمّ ترميمه في أماكن عديدة.
وضع المهرج يديه في جيوبه، وبعد أن نفخ خديه وهز رأسه نحوهم بوقاحة، قال: “يا سيدتي الجميلة، لماذا تحدقين في السيد جوكر العجوز المسكين؟ إنك جافة ومتكلفة كما لو أنك ابتلعت شوكًا!”
ردت عليه الأميرة قائلة: “كن هادئًا يا سيدي! ألا ترى أن هؤلاء غرباء، ويجب معاملتهم باحترام؟”
فتابع المهرج كلامه قائلًا: “حسنًا، هذا هو الاحترام الذي أعرف، ومن ثم وقف فورًا على رأسه.”
قالت الأميرة لدوروثي: “لا تأبهي بالسيد جوكر إن رأسه محطم، وهذا يجعله سخيفًا.”
قالت دوروثي: “أوه، لا أهتم به على الإطلاق، لكنّكِ جميلة جدًا، وأنا متأكدة أنني سأحبكِ كثيرًا. ألا تسمحين لي أن أحملكِ إلى كانساس، وأضعكِ على رف عمتي إم؟ يمكنني حملكِ في سلتي.”
أجابت الأميرة الخزفية: “ذلك سيسلبني سعادتي، كما ترين، إننا نعيش هنا بسعادة، ويمكننا الحديث والتحرك كما نشاء. ولكن إذا أخذ أحدنا بعيدًا، تتصلب مفاصلنا فورًا، ولا يمكننا سوى الوقوف باستقامة لنبدو جميلين. بالطبع هذا كل ما يُتوقع منا عندما نكون على الرفوف والخزائن وطاولات الصالون، ولكن حياتنا هنا في بلدنا أجمل بكثير.”
قالت دوروثي: “بالتأكيد لن أجلب لك مثل هذا الشقاء، مهما كان الثمن! لذا ليس لي إلا أن أقول وداعًا فحسب.”
ردت الأميرة: “الوداع.” وبعد ذلك، سار فريق المغامرين بحذر عبر بلاد الخزف. كان الجميع يفرون من أمامهم، أناسا وحيوانات، خوفًا من أن يكسرهم الغرباء، وبعد ساعة أو نحو ذلك وصل المسافرون إلى الجانب الآخر من البلد ووصلوا إلى جدار خزفي آخر.
لكن هذا الجدار لم يكن عاليًا مثل الأول، وبالوقوف على ظهر الأسد تمكنوا جميعًا من الصعود إلى القمة. ثمّ ضم الأسد رجليه وقفز على الجدار؛ لكن عندما قفز، أسقط كنيسة خزفية بذيله وحطمها إلى قطع.
قالت الفتاة: “كان هذا سيئًا، لكن على كل حال، أظن أننا محظوظون فلم نخلّف ضحايا غير ساق البقرة وهذه الكنيسة.”
عقّب خيال الفزّاعة: “بالفعل وأنا ممتن أنني مصنوع من القش ولا يمكن أن أتضرر بسهولة. هناك أشياء أسوأ في العالم من أن تكون خيال فزّاعة على ما يبدو.”
الفصل 21: الأسد ملكًا للسباع
اجتاز المغامرون السور، ليجدوا أنفسهم في أرض بغيضة مليئة بالبرك والمستنقعات. وتغطيها الحشائش الطويلة. لم يكن السير سهلًا في تلك الأرض الوعرة، فقد كان الرفاق يتعثرون في الحفر الموحلة، التي تخفيها الحشائش، وكأنها فِخاخ قد نُصبت لهم. ورغما عن المعوقات مضى الرفاق في طريقهم، فأيّ فخاخ قد توقفهم بعد ما لقوه من وعثاء الأسفار ومهالك الصعاب والأخطار؟
بعد عناء طويل وصل المغامرون إلى أرضٍ صلبة، وبدت تلك البلاد أكثر وحشة من ذي قبل، وبعد سير مضن بين الأدغال، دخلوا غابة أشجارها أكبر وأقدم مما رأوه فيما اجتازوه من قبل. قال الأسد مجيلًا بناظريه فيما حوله: “يا لهذا الجمال الذي لم أر مثله من قبل!”
قال خيال الفزّاعة: “بل قل يا لوحشته.”
فرد الأسد: “أبدًا! أود أن أعيش ما تبقي من حياتي هنا. انظر إلى ما تحت قدميك من أوراق جافة؛ كم هي ناعمة، وإلى الطحالب وخضرتها؛ كم هي وفيرة، تتشابك مع الأشجار العتيقة. الحق أقول لك، هذا ما يليق بسبع ضار من الفلات.”
قالت دوروثي: “حتمًا هناك وحوش تعيش في هذه الغابة.”
فأجابها الأسد: “أظن ذلك، ولو أني لا أرى أيًا منها.”
ساروا عبر الغابة حتّى حلّ الظلام، ولم يعد بوسعهم التقدم، فاستلقت الفتاة، وإلى جوارها توتو والأسد وغطوا في نوم عميق، وكالعادة تولّت مهمة حراستهم العيون التي لا تنام بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
مع طلوع الفجر الوليد انطلق المغامرون في استكمال رحلتهم. لم يبتعدوا كثيرًا، حتّى بدأت تتسلل إلى آذانهم أصوات الزمجرة، فعوى توتو إلا أنَّ باقي الفريق لم يهتموا بالأمر. وظلوا يمشون في طريق وطئه كلّ خف وحافر. حتى وصلوا براحًا تجمعت فيه المئات من الحيوانات، من كل صنف ونوع فكان بينها النمور والفيلة والدببة والذئاب والثعالب وكلّ ما شهدته الأرض من وحوش وضواري.
شعرت دوروثي بالخوف، لكن الأسد أخبرهم أن الحيوانات تعقد اجتماعًا كما تبين زمجرتها عن مأزق عظيم. وما أن رأت الحيوانات الأسد حتى انفضت في لحظة كأنها من السحر وتقدم نحوه أكبر النمور وانحنى قائلًا: “مرحبًا بك بيننا يا ملك الغابة، وسيد السباع، وسلطان الوحوش. لقد هللت علينا كالبدر الوليد في الوقت المناسب، لقتال عدونا وإعادة السلام بين كلّ حيوانات الغاب.”

سأل الأسد في وقار وهدوء: “ما خطبكم أيها القوم؟”
قال النمر: “إنه لأمر جلل يهدد حياتنا. إنه لوحش هائل يا سيدي، وعدو قوي جاء إلى الغابة مؤخرًا فأرّق مضاجعنا. إنّه عنكبوت ضخم له جسم بحجم الفيل وثمان أرجل طويلة كجذوع الشجر. وكلما مر بنا أمسك بأحدنا والتهمه كما يلتهم العنكبوت الذباب دون هوادة. لا أحد منا بمأمن يا سيدي، ما دام هذا المخلوق المفترس بين أظهرنا. وقد اجتمعنا اليوم لنتدارس كيف يمكننا أن نحمي أنفسنا من هذه المصيبة، حتى جئتنا بجلالة قدرك لتخلصنا من هذا المصاب المرعب.”
فكر الأسد للحظة ثم قال: “أمَا من أسد آخر في هذه الغابة؟”
قال النمر: “كان هناك بعض الأسود، لكن الوحش قضى عليها كلها، ولم يكن بينها من هو بهيئتك وهيبتك.”
فقال الأسد: “إن فتكت بعدوكم هذا تخضعون لسلطاني وأصبح ملكًا عليكم؟”
فأجاب النمر: “بكل سرور يا سيدي.” وزمجرت كلّ الحيوانات قائلة: “نعم يا سيدي. لك منا كلّ الطاعة.”
فسأل الأسد: “أين عنكبوتكم الضخم هذا؟”
فأشار النمر بقدمه الأمامية: “إنه هناك بين أشجار البلوط.”
فقال الأسد: “اعتنوا بأصدقائي هؤلاء جيدًا، وأنا سأذهب للقضاء على هذا العنكبوت.” وودع رفاقه وتقدم مزهوًا للقضاء على العدو، لينقذ شعبه الجديد ويحفظ رعيته.
وصل الأسد إلى مكان العنكبوت ليجده نائمًا حيث بدا شديد القبح، حتّى أنّ الأسد تقزز من منظره. كانت أرجله طويلة كما وصفهم النمر، ويغطي جلده شعر أسود خشن، وله فم كبير فيه صف من الأسنان الحادة، يبلغ طول الواحد منها قدمًا. هذا ويتصل رأسه الضخم الكبير ببدنه بعنق كخصر الدبور. وفي تلك اللحظة علم الأسد كيف سيفتك بعدوه، وعلم أنه أتى في الوقت المناسب. فانقض على العنكبوت وضربه ضربة واحدة عظيمة الأثر بقبضته الحادة ففصل رأسه عن جسده. ثم انسل عن مقربة ليراقب الوحش الصريع، ولما رأى من حاله أنّ أرجله كفت عن الحركة، علم أنه قد لقي مصرعه.
عاد الأسد إلى مجمع الرعيّة التي كانت تنتظره فقال بفخر: “لا داعي للخوف، ليس هناك ما يخيفكم بعد الآن.” فانحنت الضواري كلها للأسد ونصبته ملكًا عليها فوعدهم بالعودة إليهم بعد أن يوصل دوروثي إلى وطنها بأمان.
الفصل 22: بلاد الكوادلنغ
عبر المغامرون الأربعة الغابة سالمين، وحين خرجوا من عتمتها، ظهر أماههم تلٌّ شديد الانحدار، تغطيه الصخور من قمته حتى سفحه. قال خيال الفزّاعة: “علينا اجتياز هذه المنطقة، لكن ستكون مهمة صعبة للغاية.”
وتقدم الجميع فتبعوه، وما إِنْ أوشكوا على بلوغ الصخرة الأولى، حتى سمعوا صوتّا أجش يقول: “تراجعوا من حيث جئتم.”
سأل خيال الفزّاعة: “من أنت يا هذا؟”
فأطل رأس من فوق الصخرة وقال: “هذه الأرض لنا، ولا نسمح لأحد بعبورها.”
فقال خيال الفزّاعة: “لكن علينا أن نعبرها، نحن ذاهبون إلى بلاد الكوادلنغ.”
أجاب الصوت وقد خرج من خلف الصخرة قائلًا: “لكنكم لن تبلغوها وأنا هنا.”
وكان أغرب مخلوق رآه الرفاق المغامرون حتى الآن. كان قصيرًا وبدينًا وأصلعا وذا عنق غليظ ومليء بالتجاعيد، وفاقد الذراعين. لم يأبه خيال الفزّاعة بهذا المخلوق العاجز وتقدم قائلًا: “آسفون ولكننا لن نخضع لمطلبك. علينا أن نعبر أأعجبك ذاك أم لا.”
استطال عنق الرجل، وانطلق رأسه كالرصاصة، ليضرب خيال الفزّاعة في وسطه، فسقط يتدحرج من فوق التل وضحك الكائن الغريب وهو يقول بفظاظة: “لن يكون الأمر سهلا كما تظنّون.” وتعالت أصوات الضحك من خلف الصخور الأخرى، ورأت الفتاة المئات من الرؤوس، وقد أينعت الواحدة تلو الأخرى.

استشاط الأسد غضبًا، فزأر بصوت تردد صداه كالرعد، واندفع صاعدًا التل. فانطلق رأس بسرعة، مرة أخرى وضرب الأسد، ليسقط ويتدحرج كما فعل خيال الفزّاعة الذي انطلقت دوروثي لتساعده في النهوض. اقترب منها الأسد متألمتا في جراحه، وقال: “من العبث قتال هؤلاء.”
فسألته: “ماذا سنفعل إذًا؟”
قال الرجل الحديدي: “نادي القردة المجنحة، علّها تساعدنا فمازلتِ تملكين الحق في استدعائهم مرة أخرى.”
قالت الفتاة: “حسنًا.” وارتدت القبعة الذهبية، وتلت الكلمات السحرية وجاءت القردة بسرعة كالمعتاد.
سأل ملك القردة وهو ينحني: “بم تأمرين؟”
قالت الفتاة: “احملونا فوق هذا التل إلى بلاد الكوادلنغ.”
قال الملك: “سمعًا وطاعة.” وحملت القردة المجنحة المغامرين، وطارت بهم.
صاح الرجال أصحاب الرؤوس الغريبة، وراحت أعناقهم تتصاعد في السماء. لكن لم تصل إلى القردة التي حملت الرفاق إلى بلاد الكوادلنغ الجميلة بأمان.
قال ملك القردة لدوروثي: “كانت هذه آخر مرة يمكنك استدعاءنا فيها، لقد انتهى سلطانك علينا. الوادع، حظًا طيبًا!”
ردت عليه الفتاة: “الوداع، شكرًا جزيلًا لكم جميعا.” وطارت القردة واختفت عن الأنظار في طرفة عين.
بدت بلاد الكوادلنغ خصبة وبهيجة، فالحقول متراصة ومليئة بالحبوب الناضجة، وتتخلل الحقول طرق مرصوفة وجداول رقراقة تعلوها جسور قوية ثابتة.
اكتست المدينة باللون الأحمر الفاقع كما كان يكسو اللون الأصفر بلاد والوينكي والأزرق بلاد الأقزام. وطبعًا كان شعب الكوادلنغ يرتدي ثيابًا حمراء فاقعة، وكانوا قصيري القامة وسمينين إلا أنهم كانوا طيبّي القلب.
أنزلت القردة المغامرين قرب مزرعة جميلة، فمشوا نحوها وقرعوا الباب، ففتحت زوجة المزارع الباب ورحبت بهم، وحين طلبت منها دوروثي طعامًا، قدمت لهم المرأة عشاءً لذيذًا إلى جانب أصناف عدة من الكعك والبسكويت وطبقًا من الحليب لتوتو.
سألت الفتاة: “لو سمحتي، كم تبعد قلعة غلندا من هنا؟”
أجابت زوجة المزارع: “إنها ليست ببعيدة، سيروا في الطريق نحو الجنوب وستصلونها سريعًا.”
شكر المغامرون المرأة الطيبة التي أحسنت ضيافتهم وواصلوا رحلتهم بعد أن أخذوا قسطًا من الراحة، فساروا بين الحقول وعبروا الجسور حتى رأوا أمامهم قلعة جميلة، وتقف أمام أبوابها ثلاث فتيات جميلات يرتدين زيًا واحدا حوافه مزخرفة بالذهب الخالص. قالت إحداهن وهي ترى دوروثي تقترب: “ما الذي جاء بكم إلى بلاد الجنوب؟”
قالت الفتاة: “جئنا لنلتقي بالساحرة الطيبة التي تحكم هذه البلاد. هلّا أخذتنا إليها.”
قالت الحارسة: “أعطوني أسماءكم، وسأسأل غلندا إن كانت ستقابلكم.”
غابت الحارسة لبضعة دقائق ثم عادت لتخبرهم أنّ غلندا سمحت لهم بمقابلتها.
الفصل 23: الساحرة الطيبة تحقق أمنية دوروثي
قبل أن يمضوا لملاقاة الساحرة غلندا، اقتيدوا إلى حجرة واسعة في الحصن، حيث اغتسلت دوروثي ونفضت عنها وعثاء السفر. غسلت وجهها وسرحت شعرها الجميل، ونفض الأسد عن لبدته الغبار والأوساخ، ورتب الفزاعة نفسه ليغدو في أبهى حلة، وصقل الحطاب صفيحه ودهن مفاصله بالزيت. وحين أضحى الجميع في هيئة حسنة، تبعوا الفتاة الحارسة إلى قاعة عظيمة، جلست فيها غلندا على عرش من الياقوت الأحمر، وكانت في أنظارهم كأنها قمر منير، بشعر أحمر كالمرجان ينسدل في ضفائر منسابة على كتفيها، وتكتسي بثوب ناصع البياض كأجنحة الحمام، وكانت ذات عينان زرقاوان كصفاء السماء في يوم مشمس.
نظرت غلندا بعطف إلى الفتاة الصغيرة وقالت: “ما الذي أستطيع فعله لكِ يا صغيرتي؟”
أخبرت دوروثي الساحرة بحكايتها، وكيف جلبها الإعصار إلى بلاد أوز، وكيف التقت برفاقها والمغامرات العجيبة التي خاضوها سوياً وكيف أنتصروا على جميع محنهم، ثم أردفت قائلة: “أمنيتي الكبرى الآن هي العودة إلى كنساس، لأنّه مما لا شك فيه فإنّ الخالة إم تظن أن مكروهاً قد أصابني، وسيحزنها ذلك كثيراً. وإن لم يكن المحصول هذا العام أفضل مما كان عليه في العام الماضي، فلن يحتمل الخال هنري ذلك حتماً.”
مالت غلندا نحو الأمام وقبّلت وجه الفتاة الحنون وقالت: “مبارك قلبكِ الرقيق، أنا واثقة أن بوسعي إرشادكِ إلى طريقة تعيدكِ إلى كنساس.” ثم أضافت: “ولكن عليكِ إعطائي القبعة الذهبية كمقابل لذلك.”
قالت دوروثي: “على الرحب والسعة، ولكن في الحقيقة لم تعد بذات نفع لي، وحين تحصلين عليها يمكنكِ استدعاء القردة المجنحة ثلاث مرات.”
ابتسمت غلندا وقالت: “وأظنني سأحتاج خدماتهم ثلاث مرات فحسب.” فقدمت لها دوروثي قبعتها طوعا وهي مبتسمة.
التفتت الساحرة نحو الفزاعة وسألت: “ما الذي ستفعله حين تغادرنا دوروثي؟”
أجابها قائلا: “سأعود إلى مدينة الزمرد، لأن أوز جعلني حاكماً لها والشعب يحبني هنالك. الأمر الوحيد الذي يقلقني هو كيفية عبور تل رؤوس المطرقة ذاك.”
قالت غلندا: “بقوة القبعة الذهبية سآمر القردة المجنحة أن تأخذك إلى بوابات مدينة الزمرد، لأنه سيكون من المحزن حرمان الشعب من حاكم عظيم مثلك.”
سأل الفزاعة بدهشة: “هل أنا عظيم بحق؟”
ردت غلندا: “إنك خارق.” ثم التفتت نحو الحطاب رجل الصفيح وسألته: “وماذا سيحدث لك إن غادرت دوروثي هذه البلاد؟”
فاتكأ الحطاب على فأسه وفكر مليا لوهلة، ثم قال: “كان اليونكي طيبين جداً معي، وأرادوا مني أن أحكمهم بعد موت الساحرة الشريرة. إني أحبهم بحق، وإن تمكنت من العودة إلى بلاد الشرق، فلن أتمنى شيئاً أكثر من أن أحكمهم للأبد.”
قالت غلندا: “سيكون أمري الثاني للقردة المجنحة أن تحملك بأمان إلى تلك البلاد. ربما لا تملك عقلا ثاقبا تتمتع كالفزاعة، لكنك أكثر لمعاناً منه وأنا واثقة أنك ستكون حاكماً حصيفاً وطيباً للوينكي.”
ثم نظرت الساحرة إلى الأسد المشعث وسألته: “ماذا سيحدث لك إن عادت دوروثي إلى وطنها؟”
أجاب الأسد: “خلف تل رؤوس المطرقة تقع غابة كبيرة قديمة، وقد جعلت مني كلّ السباع التي تسكنها ملكاً عليها. إن استطعت العودة إلى تلك الغابة فسأمضي حياتي سعيداً هناك.”
قالت غلندا: “سيكون أمري الثالث إذن للقردة المجنحة أن تحملك إلى هنالك. وبعد أن أستخدم قوى القبعة الذهبية كلها، سأعطيها لملك القردة المجنحة، فيصبح هو وجماعته أحراراً للأبد.”
شكر الفزاعة والحطاب رجل الصفيح والأسد الساحرة الطيبة كثيراً لعطفها، وقالت دوروثي: “إنك طيبة بقدر جمالك. لكنك لم تخبريني بعد كيف أعود إلى كنساس.”
أجابت غلندا: “سيحملك حذاؤك الفضي ويعبر بكِ الصحراء. في الحقيقة لو كنت تعرفين قواه الحقيقة، لعدت إلى خالتك إم منذ اليوم الأول الذي جئت فيه إلى هذه البلاد.”

قال الفزاعة: “ولكني لم أكن لأحصل على عقلي الرائع، ولربما أمضيت حياتي كلها في حقل ذرة المزارع.”
فأضاف الحطاب رجل الصفيح: “ولم أكن كذلك لأحصل على قلبي الجميل، ولظللت واقفاً صدأ في الغابة حتى نهاية العالم.”
وقال الأسد: “ولعشت كذلك جباناً متواني عن الأنظار للأبد، ولن يكون لدى أي من السباع في الغابة كلمة طيبة يقولها لي.”
قالت دوروثي: “فعلا أنا سعيدة أنني كنت ذات نفع لهؤلاء الأصدقاء الطيبين. ولكن الآن وقد حصل كل واحد منكم على مبتغاه، بل وقد حصل كل واحد فيكم على مملكة يحكمها، فإنني أود العودة إلى كنساس.”
قالت الساحرة الطيبة: “للحذاء الفضي قوى عجيبة. وأحد أغرب الأمور فيه قدرته على حملكِ إلى أيّ مكان في العالم في ثلاث خطوات، وكل خطوة تحدث في طرفة عين. كل ما عليك فعله هو أن تقرعي بكعبي الحذاء معاً ثلاث مرات وتأمري الحذاء أن يحملك إلى المكان الذي ترغبين به وستجدين نفسك هنالك في طرفة عين.
قالت الطفلة بعد أن ملأ الفرح محياها: “إن كان الأمر كذلك، فسأطلب منه على الفور إعادتي إلى كنساس حالاً.” ثم لفت ذراعيها حول عنق الأسد وقبّلته، وربّتت على رأسه الكبير بحنان. وقبّلت الحطاب رجل الصفيح الذي كان يبكي بكاء يوحي بخطر قريب محدق بمفاصله، لكنها عانقت جسد الفزاعة الطري المحشو بين ذراعيها بدلاً من تقبيل وجهه المرسوم. ثم شرعت تبكي لهذا الفراق الأليم عن رفاقها الذين أحبتهم بصدق.
نزلت غلندا الساحرة الطيبة من عرشها الياقوتي لتقبّل الفتاة الصغيرة قبلة الوداع، وشكرتها دوروثي على ما أبدته من لطف نحوها ونحو رفقاها. أمسكت دوروثي بتوتو بين ذراعيها بقوة، وبعد أن ودعت الجميع للمرة الأخيرة، ضربت كعبي حذائها معاً ثلاث مرات قائلة: “أعدني إلى الديار، إلى الخالة إم.”
وسرعان ما أخذت تدور في الهواء دوراناً سريعاً حتى إنها لم تر الريح تصفر خلف أذنيها أو تشعر بها. لم يستغرق الحذاء الفضي سوى خطوات ثلاث، ثم توقفت فجأة وتدحرجت على العشب بضع مرات قبل أن تدرك أين هي. اعتدلت قائمة ثم نظرت لتبحث في الأرجاء أين هي.
صاحت بقوة: “يا إلهي الرحيم! شكرا لك.” لقد كانت جالسة في منتصف سهوب كنساس الواسعة، وأمامها كان بيت المزرعة الجديد الذي بناه الخال هنري بعد أن حمل الإعصار البيت القديم. كان الخال هنري يحلب الأبقار في الحظيرة حينها، فقفز توتو من ذراعيها وأخذ يجري نحوه نابحاً بسرور. وقفت دوروثي ورأت أنها لا ترتدي في قدميها سوى جوربين، فقد وقع الحذاء الفضي أثناء طيرانها في الجو، وضاع في الصحراء إلى أبد الآبدين.
الفصل 24: العودة للديار بعد الغياب الطويل
خرجت الخالة إم من الدار لتسقي نبات الملفوف، وفيما هي ترفع بصرها، إذ بدوروثي تعدو نحوها كغزال طليق. فصاحت من أعماق قلبها: “يا فلذة كبدي!”، وضمت الفتاة الصغيرة بين ذراعيها بقوة، وانهالت على وجهها بقبلات الشوق واللهفة، ثم قالت: “من أيّ أرضٍ غريبةٍ أتيتِ يا عزيزتي بحق السماء؟”
ردّت دوروثي بوقار ممزوج بالفرحة: “من بلاد أوز العجيبة، وهذا توتو رفيقي. آه يا خالتي إم، ما أسعدني بأن أعود إلى كنف الديار مجدداً!”
