ساحر أوز العجيب: الساحرة الطيبة تحقق أمنية دوروثي (24/23)

قبل أن يمضوا لملاقاة الساحرة غلندا، اقتيدوا إلى حجرة واسعة في الحصن، حيث اغتسلت دوروثي ونفضت عنها وعثاء السفر. غسلت وجهها وسرحت شعرها الجميل، ونفض الأسد عن لبدته الغبار والأوساخ، ورتب الفزاعة نفسه ليغدو في أبهى حلة، وصقل الحطاب صفيحه ودهن مفاصله بالزيت. وحين أضحى الجميع في هيئة حسنة، تبعوا الفتاة الحارسة إلى قاعة عظيمة، جلست فيها غلندا على عرش من الياقوت الأحمر، وكانت في أنظارهم كأنها قمر منير، بشعر أحمر كالمرجان ينسدل في ضفائر منسابة على كتفيها، وتكتسي بثوب ناصع البياض كأجنحة الحمام، وكانت ذات عينان زرقاوان كصفاء السماء في يوم مشمس.

نظرت غلندا بعطف إلى الفتاة الصغيرة وقالت: “ما الذي أستطيع فعله لكِ يا صغيرتي؟”

أخبرت دوروثي الساحرة بحكايتها، وكيف جلبها الإعصار إلى بلاد أوز، وكيف التقت برفاقها والمغامرات العجيبة التي خاضوها سوياً وكيف أنتصروا على جميع محنهم، ثم أردفت قائلة: “أمنيتي الكبرى الآن هي العودة إلى كنساس، لأنّه مما لا شك فيه فإنّ الخالة إم تظن أن مكروهاً قد أصابني، وسيحزنها ذلك كثيراً. وإن لم يكن المحصول هذا العام أفضل مما كان عليه في العام الماضي، فلن يحتمل الخال هنري ذلك حتماً.”

مالت غلندا نحو الأمام وقبّلت وجه الفتاة الحنون وقالت: “مبارك قلبكِ الرقيق، أنا واثقة أن بوسعي إرشادكِ إلى طريقة تعيدكِ إلى كنساس.” ثم أضافت: “ولكن عليكِ إعطائي القبعة الذهبية كمقابل لذلك.”

قالت دوروثي: “على الرحب والسعة، ولكن في الحقيقة لم تعد بذات نفع لي، وحين تحصلين عليها يمكنكِ استدعاء القردة المجنحة ثلاث مرات.”

ابتسمت غلندا وقالت: “وأظنني سأحتاج خدماتهم ثلاث مرات فحسب.” فقدمت لها دوروثي قبعتها طوعا وهي مبتسمة.

التفتت الساحرة نحو الفزاعة وسألت: “ما الذي ستفعله حين تغادرنا دوروثي؟”

أجابها قائلا: “سأعود إلى مدينة الزمرد، لأن أوز جعلني حاكماً لها والشعب يحبني هنالك. الأمر الوحيد الذي يقلقني هو كيفية عبور تل رؤوس المطرقة ذاك.”

قالت غلندا: “بقوة القبعة الذهبية سآمر القردة المجنحة أن تأخذك إلى بوابات مدينة الزمرد، لأنه سيكون من المحزن حرمان الشعب من حاكم عظيم مثلك.”

سأل الفزاعة بدهشة: “هل أنا عظيم بحق؟”

ردت غلندا: “إنك خارق.” ثم التفتت نحو الحطاب رجل الصفيح وسألته: “وماذا سيحدث لك إن غادرت دوروثي هذه البلاد؟”

فاتكأ الحطاب على فأسه وفكر مليا لوهلة، ثم قال: “كان اليونكي طيبين جداً معي، وأرادوا مني أن أحكمهم بعد موت الساحرة الشريرة. إني أحبهم بحق، وإن تمكنت من العودة إلى بلاد الشرق، فلن أتمنى شيئاً أكثر من أن أحكمهم للأبد.”

قالت غلندا: “سيكون أمري الثاني للقردة المجنحة أن تحملك بأمان إلى تلك البلاد. ربما لا تملك عقلا ثاقبا تتمتع كالفزاعة، لكنك أكثر لمعاناً منه وأنا واثقة أنك ستكون حاكماً حصيفاً وطيباً للوينكي.”

ثم نظرت الساحرة إلى الأسد المشعث وسألته: “ماذا سيحدث لك إن عادت دوروثي إلى وطنها؟”

أجاب الأسد: “خلف تل رؤوس المطرقة تقع غابة كبيرة قديمة، وقد جعلت مني كلّ السباع التي تسكنها ملكاً عليها. إن استطعت العودة إلى تلك الغابة فسأمضي حياتي سعيداً هناك.”

قالت غلندا: “سيكون أمري الثالث إذن للقردة المجنحة أن تحملك إلى هنالك. وبعد أن أستخدم قوى القبعة الذهبية كلها، سأعطيها لملك القردة المجنحة، فيصبح هو وجماعته أحراراً للأبد.”

شكر الفزاعة والحطاب رجل الصفيح والأسد الساحرة الطيبة كثيراً لعطفها، وقالت دوروثي: “إنك طيبة بقدر جمالك. لكنك لم تخبريني بعد كيف أعود إلى كنساس.”

أجابت غلندا: “سيحملك حذاؤك الفضي ويعبر بكِ الصحراء. في الحقيقة لو كنت تعرفين قواه الحقيقة، لعدت إلى خالتك إم منذ اليوم الأول الذي جئت فيه إلى هذه البلاد.”

قال الفزاعة: “ولكني لم أكن لأحصل على عقلي الرائع، ولربما أمضيت حياتي كلها في حقل ذرة المزارع.”

فأضاف الحطاب رجل الصفيح: “ولم أكن كذلك لأحصل على قلبي الجميل، ولظللت واقفاً صدأ في الغابة حتى نهاية العالم.”

وقال الأسد: “ولعشت كذلك جباناً متواني عن الأنظار للأبد، ولن يكون لدى أي من السباع في الغابة كلمة طيبة يقولها لي.”

قالت دوروثي: “فعلا أنا سعيدة أنني كنت ذات نفع لهؤلاء الأصدقاء الطيبين. ولكن الآن وقد حصل كل واحد منكم على مبتغاه، بل وقد حصل كل واحد فيكم على مملكة يحكمها، فإنني أود العودة إلى كنساس.”

قالت الساحرة الطيبة: “للحذاء الفضي قوى عجيبة. وأحد أغرب الأمور فيه قدرته على حملكِ إلى أيّ مكان في العالم في ثلاث خطوات، وكل خطوة تحدث في طرفة عين. كل ما عليك فعله هو أن تقرعي بكعبي الحذاء معاً ثلاث مرات وتأمري الحذاء أن يحملك إلى المكان الذي ترغبين به وستجدين نفسك هنالك في طرفة عين.

قالت الطفلة بعد أن ملأ الفرح محياها: “إن كان الأمر كذلك، فسأطلب منه على الفور إعادتي إلى كنساس حالاً.” ثم لفت ذراعيها حول عنق الأسد وقبّلته، وربّتت على رأسه الكبير بحنان. وقبّلت الحطاب رجل الصفيح الذي كان يبكي بكاء يوحي بخطر قريب محدق بمفاصله، لكنها عانقت جسد الفزاعة الطري المحشو بين ذراعيها بدلاً من تقبيل وجهه المرسوم. ثم شرعت تبكي لهذا الفراق الأليم عن رفاقها الذين أحبتهم بصدق.

نزلت غلندا الساحرة الطيبة من عرشها الياقوتي لتقبّل الفتاة الصغيرة قبلة الوداع، وشكرتها دوروثي على ما أبدته من لطف نحوها ونحو رفقاها. أمسكت دوروثي بتوتو بين ذراعيها بقوة، وبعد أن ودعت الجميع للمرة الأخيرة، ضربت كعبي حذائها معاً ثلاث مرات قائلة: “أعدني إلى الديار، إلى الخالة إم.”

وسرعان ما أخذت تدور في الهواء دوراناً سريعاً حتى إنها لم تر الريح تصفر خلف أذنيها أو تشعر بها. لم يستغرق الحذاء الفضي سوى خطوات ثلاث، ثم توقفت فجأة وتدحرجت على العشب بضع مرات قبل أن تدرك أين هي. اعتدلت قائمة ثم نظرت لتبحث في الأرجاء أين هي. 

صاحت بقوة: “يا إلهي الرحيم! شكرا لك.” لقد كانت جالسة في منتصف سهوب كنساس الواسعة، وأمامها كان بيت المزرعة الجديد الذي بناه الخال هنري بعد أن حمل الإعصار البيت القديم. كان الخال هنري يحلب الأبقار في الحظيرة حينها، فقفز توتو من ذراعيها وأخذ يجري نحوه نابحاً بسرور. وقفت دوروثي ورأت أنها لا ترتدي في قدميها سوى جوربين، فقد وقع الحذاء الفضي أثناء طيرانها في الجو، وضاع في الصحراء إلى أبد الآبدين.


Downloads