ساحر أوز العجيب: الأسد الجبان (24/6)

سارت دوروثي مع رفاقها عبر الغابة في طريقهم ذي الأحجار الصفراء التي غطتها الأغصان اليابسة والأوراق الذابلة، وكانت رحلتهم مزيج من الجمال والغموض، والطبيعة بسحرها وبمخاوفها أيضًا، فالطيور تحلق في السماء الواسعة وقد زينتها الشمس بإشراقها، لكن ما أثار خوف الفتاة، تلك الزمجرة التي تتكرر من حين لآخر، فلا هي تعرف من يصدر تلك الأصوات ولا من أين تأتي. أما توتو فيعلم جيدًا كل شيء، وتراه قد شعر بالفتاة الخائفة؛ فاقترب منها وسار بجانبها في صمت وكأنه يخاطبها قائلًا: “لا تخافي يا عزيزتي، ها أنا صديقك الوفي، موجود دائمًا لدعمك.”

سألت الفتاة الحطّاب: “أبقي الكثير على خروجنا من هذه الغابة؟”

أجابها: “لا أعرف؛ فأنا لم أذهب إلى مدينة الزمرد هذه قبل ذلك، لكن والدي ذهب إليها ذات مرة، عندما كنت طفلًا، وحكى لنا أن رحلتها كانت طويلة ومحفوفة بالمخاطر، لكن أخبرنا أن الريف رائع وخلاب بالقرب من المدينة التي يسكن فيها أوز. على كل حال، لا داعي للخوف أبدًا؛ فأنا معي علبة الزيت، ولن يصيبني أي أذى، وكذلك خيال الفزّاعةـ لا يستطيع أحد أن يؤذي تلك الكومة من القش، وأنتِ على جبينك قبلة الساحرة الطيبة، ولا يقدر أحد على إيذائك أيضا.”

فقالت الفتاة: وماذا عن المسكين توتو؟ ما الذي يحميه؟”

أجابها الحطّاب الصفيح: “بالطبع نحن، سنحميه بأنفسنا من أيّ خطر.”

وبينما يتحدث الحطّاب، صدر زئير هز الغابة كلها، وظهر فجأة أسد ضخم وضرب خيال الفزّاعة ضربة أطاحت به ورفعته إلى السماء وسقطت على حافة الطريق، وضرب الحطّاب فسقط هو الآخر لكن دون أن تترك تلك الضربة أي أثر في جسده الصفيح، أما توتو فعليه أن يواجه عدوه؛ فركض نحو الأسد وراح ينبح، والأسد فاتحًا فاه ليبلعه، فاندفعت الفتاة وصفعت الأسد على أنفه صفعة قوية وصرخت في وجهه قائلة: “ألا تخجل من نفسك وأنت وحش كبير وتريد أن تعض هذا الكلب الصغير المسكين؟”

قال الأسد وهو يفرك أنفه بمخلبه حيث ضربته دوروثي:” لم أعضه بعد. “

فردت عليه الفتاة قائلة: “لكنك حاولت. أنت لست سوى جبان كبير.” 

قال الأسد خافضًا رأسه من الخجل: “أعرف ذلك، لطالما عرفت ذلك، ولكن ماذا أفعل بنفسي؟ كيف لي أن أغير ذلك؟”

“لا أعرف حقيقةً، لكن لا يمكنك تغيير ذلك بضربك لخيال فزّاعة محشو بالقش.”

رد عليها متفاجئًا: “محشو بالقش؟”

أجابته الفتاة في غضب وهي تلتقط خيال الفزّاعة وتضعه على قدميه وتخبط عليه لتعيده إلى هيئته: “بالطبع، إنه محشو بالقش.”

قال الأسد: “لهذا السبب إذن طار في الهواء بسهولة، لقد استغربت مما أصابه من ضربتي، هل الآخر محشو بالقش أيضًا؟”

ردت عليه الفتاة وهي تساعد الحطّاب على النهوض: “لا، إنه مصنوع من الصفيح.”

فقال الأسد: “لهذا كدت أن أفقد مخالبي ولم أخدش جسمه حتى. لقد أقشعرّ بدني. ومن هذا الصغير الذي يحظى بكل هذا الحب والرعاية؟”

أجابته: “إنه كلبي توتو.”

فسألها: “هل هو مصنوع من الصفيح أم محشو بالقش؟”

قالت الفتاة: “إنه مخلوق من لحم ودم.”

قال الأسد وقد بدا عليه الحزن: “إنه فضولي وصغير للغاية، لا يفكر في عض هذا المسكين إلا جبان مثلي.”

نظرت الفتاة إلى هذا الوحش الضخم الذي يبدو في حقيقته كحصان صغير وقالت: “وما الذي يجعلك جبانًا؟”

قال الأسد: “إنه لغز محيّر، أعتقد أني ولدت هكذا، يُنتظر مني أن أكون شجاعًا، فكل المخلوقات تعرف أن الأسد هو ملك الغابة، وأعلم أن زئيري يثير الرعب في قلوب الجميع، وبرغم أني كلما واجهت رجلًا شعرت بالخوف، إلا أنه بمجرد أن أزأر يرتعد الرجل ويفر من أمامي، ولو حاولت الفيلة والنمور والدببة قتالي، للُذت بالفرار، أنا جبان للغاية، لكن الكل يهرب من أمامي بمجرد أن أزأر، وبالطبع أتركهم يذهبون.”

قال خيال الفزّاعة: “لكن هذا غير معقول، لا ينبغي لسيد الوحوش أن يكون جبانًا.”

قال الأسد وهو يمسح دمعة نزلت من عينه بطرف ذيله: “لا داعي لأن تخبرني بذلك. إنها مأساتي، فعندما يكون هناك خطر ما فإنّ فرائصي ترتعد دون أن أشعر.”

قال الحطّاب الصفيح: “ربما تكون مصابًا بمرض في قلبك.” 

رد الأسد: “قد يكون الأمر كذلك.” 


تابع الحطّاب: “إن كان الأمر كذلك، فعليك أن تكون سعيدًا، فعلى الأقل لك قلب، أما أنا فلا قلب لي، ولن أعاني من أوجاعه قط.” 

قال الأسد متفكرًا: “ربما لو لم يكن لي قلب لما كنت جبانًا.”

سأله خيال الفزّاعة: “ألك عقل؟”

أجابه: “يفترض ذلك، فأنا لم أره من قبل حقيقة.”

قال خيال الفزّاعة: “سأذهب إلى أوز العظيم لأطلب منه أن يمنحني عقلًا، لأن رأسي محشو بالقش.” 

وقال الحطّاب الصفيح: “وأنا سأطلب منه أن يمنحني قلبًا.”

وقالت الفتاة: “وأنا سأطلب منه أن يعيدني أنا وتوتو إلى وطني كانساس.”

سأل الأسد الجبان: “هل تعتقدون أن أوز قادر على أن يمنحني الشجاعة؟”

قال خيال الفزّاعة: “سيكون هذا رائعا لو منحني عقلًا.”

وقال الحطّاب الصفيح: “أو منحني قلبًا.”

وقالت الفتاة: “أو أعادني إلى موطني كانساس.”

فقال الأسد: “إذا كنتِ لا تمانعي، سأذهب معكِ، لأن حياتي لا تطاق لافتقادي للشجاعة اللازمة.”

ردت عليه الفتاة وقالت: “بكل تأكيد لا أمانع، مرحبًا بك بيننا. بل هذا أمر سيسعدنا لأنك سوف تحمينا من الوحوش البرية خلال رحلتنا، وهم أكثر جبنًا منك، طالما يفرون منك.”

قال الأسد: “إنهم كذلك، لكن هذا لن يجعلني أكثر شجاعة، طالما أعرف أنني جبان.”

وهكذا انطلق الرفاق المغامرون في رحلتهم، كل منهم يحلم بطوق النجاة الذي سيلقيه له أوز العظيم. مشيَ الأسد بخطىً واثقة بجانب الفتاة، لكن توتو غير راضٍ عن هذا العضو الجديد الذي انضم إلى الفريق، فهو لم ينس بعد أنه منذ دقائق كان بين فكي هذا الأسد، لكن الوقت يعالج كل شيء، فبعد فترة صار توتو والأسد صديقين حميمين.

سار الرفاق في طريقهم ومر هذا اليوم بلا أي مغامرات جديدة، وبينما هم في طريقهم داس الحطّاب على خنفساء فقتلها دون أن يقصد، فاستاء جدًا لما صنع، واغتم واشتد حزنه، لأنه قتل ذلك المخلوق الصغير، فسالت دموعه، وأخذت الدموع تنزل على خديه فنزلت على فكه فصدأ. حاول أن يلفت انتباه الفتاة لتساعده لكنها لم تفهم تلميحه، وكان الأسد أيضًا في حيرة من أمره ولا يعرف ما الخطب، لكن خيال الفزّاعة سرعان ما استوعب الأمر وأخذ المزيتة من السلة، ووضع الزيت على فك الحطّاب، وبعد لحظات قليلة استطاع التحدث فقال: “هذا درس لي في أن أنتبه إلى طريقي، أنظر إلى خطواتـي، حتى لا أكرر ما حدث، وأعود لأبكي فيصدأ فكي، وأعجز عن الكلام. أنتم أصحاب القلوب، لكم ما يرشدكم حتى لا ترتكبوا الأخطاء، أما أنا فعلي أن أكون أكثر حرصا، حتى لا أتحول إلى شخص قاس، بل رحمة.”

ومشيَ طوال الطريق في حذر شديد، حتى أنه إذا رأى نملة صغيرة تمشي أنتظرها حتى لا يدوس عليها أو يُؤذيها. 


Downloads


Related tags