قد يمتلك الفرد شيئًا ما، ويكون هذا الشيء سببًا في حسد الجميع له. هذا ما حدث بالفعل مع الراكون تيم، الذي كان لديه بنطلون منقوش باللونين الأحمر والأخضر، والذي جعل جميع من في الغابة يحسدونه، لكن كان هناك فرد واحد تميز عن البقية. فلم يكن يحسد تيم فقط، بل كانت تقتله الغيرة والحسد يحرق كبده من الأعماق.
كان ذاك الثعلب والذي كان يخاف على مكانته من أن يتم افتكاكها، فقد كانت الغابة كلها تشهد بأنّه الأكثر أناقة، حتى جاء هذا الراكون ببنطلونه الملون.
وهذا ما لم يضع الثعلب له حسابًا، فقد أعتقد في أول الأمر أنه سيقنع الراكون تيم بالتخلي عن هذا البنطلون، لكن أثبتت الأيام عكس ذلك، فكان الثعلب يزور تيم كلّ يوم حاملًا دجاجة سمينة أو بطة، بل أحيانًا دجاجتين سمينتين، وفي كلّ يوم يظل يلمح بأنه قد يتخلى عما يحمله إذا عُرض عليه الشيء المناسب.
لكن كلّ هذه التلميحات كانت بلا معنى، لأنّ تيم كان عنده من خيرات الموسم ما يكفيه ويزيد من الطعام، لذلك لم يكن ليفكر في المقايضة بأيّ شيء سلفا فضلا عن المقايضة ببنطلونه المحبوب إليه.
وهذا ما جعل الثعلب يجلس ذات صباح ممسكًا غليونه القديم غارقًا في التفكير، وبينما هو في هذه الحالة وقعت عيناه على إحدى صفحات الصحف ولمح بها كلمة “الصوف” بأحرف كبيرة.
أخذ يحدث نفسه قائلًا: صوف؟ أليس هذا ما يدّعي تيم أن بنطلونه مصنوع منه؟
فنهض مسرعًا والتقط الصحيفة وأخذ يقرأ باهتمام شديد، وكلما قرأ كلمة اتسعت حدقتا عيناه، وظلّ على هذا الحال حتّى سقط غليونه من فمه دون حتّى أنْ يشعر به.
قرأ الثعلب كلّ ما هو مكتوب ثم مزّق الورقة ورماها بين الشجيرات. ومشى وهو يحدث نفسه قائلًا: “لو توجد أيّ فرصة ليتسخ فحسب، سيكون الباقي سهل التنفيذ، حتمًا سيطلب نصيحتي حينها.”
ثم اتجه إلى مخزنه وهو يقول: “سأدهن الكرسي الهزّاز، فهو يحب الجلوس عليه.”
وبسرعة دهن الثعلب الكرسي الهزاز بلون أسود لامع، وجلس في ترقب ينتظر تيم الذي يمر في هذا الوقت عادةً.
لم يطل الانتظار وسرعان ما أتى تيم يتبختر مرتديًا بنطلونه المنقوش. قال الثعلب بكل أدب ولطف: “حبيبي تيم، هلّا أتيت لتؤنسني ونتبادل أطراف الحديث سويًا.” وقام مسرعًا وذهب إلى الخزانة ليحضر الغليون، وكما كان متوقعًا، جلس تيم على الكرسي الهزّاز.
أتى الثعلب مسرعًا نحو تيم وهو يقول: “يا إلهي، يا إلهي، أنا في غاية الأسف. قم بسرعة، لقد دهنت الكرسي للتو، آمل ألا تكون قد لطخت بنطلونك الجميل.”
كانت عينا الثعلب تلمعان وهو يقف خلف تيم المسكين ويرى بوضوح بنطلونه الملطخ، وطبعًا تيم لا يمكنه أن يرى بوضوح، فأخبره الثعلب أنّ هناك بقعة سوداء كبيرة، وأخبره ألا يقلق، فيمكنه أن يخبره بطريقة لإزالتها، فاطمئن تيم بعض الشيء لحديث الثعلب الذي يظن أنه صديق طيب وخدوم.
“لا داعي لأيّ قلق يا تيم، لقد قرأت للتو مقالة رائعة في إحدى الصحف تتحدث عن غسل الملابس المصنوعة من الصوف، وتأكد هذه المقالة أنّ الطريقة مضمونة ومجربة. لذلك سأساعدك، لأني أشعر بالذنب على ما أصاب بنطلونك الرائع. آه لي ولغفلتي! كان عليّ أن أتذكر أنّ الكرسي كان مدهونًا للتو ولا يزل رطبًا. آه، الآن عليّ أن أحضر لك صابونَا أبيض، وليس عندي منه في البيت، عليّ أن أذهب إلى منزل السيد مان، ففيه كلّ شيء يخطر على بالك.”
ركض تيم قاصدًا منزله ليخلع بنطاله وينتظر عودة الثعلب، الذي يظنه ألطف صديق قابله في حياته. بعد ساعة تقريبا رجع الثعلب وقال لتيم: “هلّا شغّلت غلّاية الماء! يجب أن يغلي الماء جيدًا.”
ثمّ انطلق في مهمته لجلب الصابون، لكنه تعطل في مهمته والتي أخذت وقتًا أطول مما كان يتوقع، فكانت أصعب مما كان يعتقد، فعندما وصل إلى بيت السيد مان وجد الكلب نائمًا عند مدخل الحظيرة. ولأنه كان قد رأى قطعة من الصابون الأبيض على الصندوق في الحظيرة ذات يوم، حيث كان السيد مان يغسل حزامه المفضل، أمل الثعلب أن يجدها في مكانها هذه المرة أيضا.
ظلّ الثعلب واقفًا علّه يجد فرصة سانحة للتسلل إلى الحظيرة، وبالفعل بعد فترة استيقظ الكلب وابتعد عن الباب، فانتهز الثعلب الفرصة وتسلّل إلى الداخل، وكان حظه جيدًا فقد وجد قطعة الصابون في مكانها، فأخذها وركض مسرعًا إلى منزل تيم بينما كانت الشمس على وشك الغروب.
“لقد خاطرت كثيرًا كي أحصل لك على هذا الصابون يا تيم، لا أحب أن أذهب إلى التل في النهار، إنه خطير جدًا. الآن يجب أن نضع البنطلون في دلو ما ونسكب فوقه الماء المغلي ببطء. هل تأكدت أن الماء يغلي جيدًا؟” سأل تيم السيد راكون بعد أن وصل مباشرة.
أكد تيم ذلك، فطلب منه الثعلب أن يحضره، وبينما كان تيم يصب الماء في الدلو كان الثعلب يبشر الصابون عليه.
“الآن أحضر لي عصا، حتى أقلب الصابون في الماء فيصنع رغوة جيدة، ثم يمكنني أن أتركك تكمل باقي المهمة، فأنا متأكد أنك تستطيع القيام بالباقي، وعليَّ أن أعود للمنزل، فقد حلّ الظلام سلفا. كلّ ما عليك فعله هو أن تترك البنطلون ينقع طوال الليل وفي الصباح علّقه في الشمس. هذا ما ورد بالضبط في وصفة تنظيف الصوف المتسخ التي قرأتها. وعليه أنا متأكد من أنّ بنطلونك سيعود كما لو كان جديدًا.”
ركض الثعلب إلى منزله، وهو يضحك طوال الطريق محدثًا نفسه قائلًا: “ها ها ها، نعم لقد حققت مرادي أخيرا. سيعود كما لو كان جديدًا؟ يا للسخرية! لكن حتما لا يمكنك ارتداءه يا صديقي العزيز تيم. قد يصبح مناسبًا لراكون صغير، لا لراكون بالغ مثلك.”
في اليوم التالي وقف تيم أمام بنطلونه المعلق على الحبل ونظر إليه بقلب مكسور، فالبقعة السوداء ما زالت واضحة، ولاحقًا بعدما جف حاول ارتداءه، وتحول شعوره بالحزن إلى غضب عارم، فعندما نظر إلى نفسه في المرآة اتضح له أنّ بنطلونه الجميل لم يعد مناسبًا للارتداء، فقد أصبح بالكاد يصل إلى ركبتيه، وكان ضيقًا جدًا لدرجة أنه لم يستطع الانحناء، ناهيك عن المشي.
خلع تيم بنطاله بصعوبة وكأن روحه تخرج منه، ثم حمله وقصد منزل الثعلب وأراه بقايا ما كان يومًا ما بنطلونه المنقوش الجميل.
قال الثعلب وهو يتظاهر بالحزن: “لم تعمل الطريقة بشكل صحيح إذن، هذا ما يمكنني قوله. لا يمكنك أبدًا الحكم على تلك الوصفات التي تقرأها في الصحف والمجلات حتى تجربها بنفسك.”
تنهد تيم وقال وهو ينظر إلى بنطلونه: “أتمنى لو أنّ شخصًا آخر قد جربها أولًا. كان يمكنني ارتداء معطفًا بذيل طويل لأغطي بقعة الطلاء، أما الآن فلا يمكنني فعل أيّ شيء.”
قال الثعلب: “يمكنك ارتداء تنورة رجالية أو وضع الدانتيل أسفل الساقين.”
قال تيم: “هل أنت متأكد أن الماء كان يجب أن يغلي؟”
أجابه الثعلب: “نعم، متأكد من ذلك كتأكدي من أنّ الشمس ستشرق غدا لا محالة. هل أنت متأكد أنّ البنطلون مصنوع من الصوف الخالص؟”
قال تيم: “نعم، أنا متأكد من ذلك.”
قال الثعلب: “هذا مؤسف بحق. لم يعد لبنطلونك الملون الآن أي فائدة.”
نطق الثعلب بهذه الجملة وهو يشعر برضا غامر، طالما لن يرى هذا الراكون يرتدي بنطلونه المزركش ويتبختر به أمامه فهو في قمة السعادة. وهكذا ضرب السيد الثعلب عصفوران بحجر واحد، فقط تمكن بالحيلة من خداع تيم الراكون وبلغ غايته التي يريد وظهر في نفس الوقت بمظهر الصديق الصدوق الذي يساعد جيرانه في أيّ وقت.